جلب عام 2019 السعادة والتعاسة لجمهور كرة القدم بصورة متساوية وعادلة، فتصارعت الفرق من أجل الجوائز أو من ناحية أخرى قاتلت من أجل الابتعاد عن شبح الهبوط.
ومع ذلك، فمع مرور الوقت الكافي على الأرجح ما سيتذكره الناس من هذه السنة أن أزمة العنصرية في عالم كرة القدم قد خرجت عن السيطرة بصورة باتت واضحة وغير مقبولة للغاية.
واجه منتخب إنجلترا العنصرية مرتين أثناء تصفيات كأس الأمم الأوروبية أثناء مباراتي مونتنيجرو وبلغاريا، وكان لابد من إيقاف مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز لتحذير الجمهور أن العنصرية ضد أنطونيو روديجر غير مقبولة ولن يتم التسامح معها.
تعرض لاعبو مانشستر يونايتد أيضًا لهتافات عنصرية خلال الديربي أمام مانشستر سيتي في ملعب الإمارات، بينما استمرت العنصرية في البروز بالدوري الإيطالي من دون خطوات جادة لمنعها.
ولا يمكن نسيان ما حدث في أواخر 2018 عندما ألقت جماهير توتنهام الموز على بيير أوباميانج، مع حادثة عنصرية أخرى تعرض لها رحيم ستيرلينج في مباراة تشيلسي.
كل هذه الحوادث وأكثر تُنذر بأن النمط والسلوك المتبع في المدرجات بات مثيرًا للقلق بوضوح شديد..

وفقًا للأرقام الصادرة عن حكومة المملكة المتحدة، فكانت هناك زيادة بنسبة 65% في عدد الحوادث التي تنطوي على إساءة عنصرية وقد تم الإبلاغ عنها للشرطة في مباريات كرة القدم خلال موسم 2018-2019.
ذكرت أيضًا منظمة كيك أوت البريطانية المختصة في مكافحة العنصرية، أن هناك زيادة 43% في حوادث العنصرية المبلغ عنها - من 192 إلى 274 - في نفس الموسم، وأتت الزيادة بصورة حادة في حوادث التمييز القائم على العقيدة، بما في ذلك كراهية الإسلام ومعاداة السامية، التي ارتفعت بنسبة 75% على مدار العام.
إنه اتجاه مثير للقلق، وفي الوقت الذي تقوم فيه رابطة الدوري الإنجليزي مع الاتحاد الإنجليزي بتمويل منظمات مثل كيك أوت وغيرها من المؤسسات لمجابهة العنصرية، إلا أن الموقف الحالي يتطلب مزيدًا من الجهود.
يُعد تشيلسي واحدًا من قادة الدوري الإنجليزي عندما يتعلق الأمر بمحاربة العنصرية، بعد أن حققت حملة "قل لا لمعاداة السامية" جوائز بسبب أعمالها، ومع ذلك فلا يزال البلوز في معركة مستمرة مع جمهورهم عندما يتعلق الأمر بالقضاء على الانتهاكات العنصرية.
تم حظر أحد مشجعي تشيلسي من دخول ستامفورد بريدج إلى الأبد بعد أن التقطته الكاميرات وهو يستخدم لغة مسيئة وعنصرية تجاه ستيرلينج نجم مانشستر سيتي في ديسمبر 2018، في حين أُدين أربعة أشخاص باستخدام العنف والعنصرية ضد رجل باريسي بعد حادث المترو الشهير في العاصمة الفرنسية 2015.
في حين أن تلك الحوادث انتهت بالعقوبات، لا يزال مدافع البلوز روديجر يشعر بخيبة الأمل من رد الفعل العام على العنصرية بعدما أقرت الشرطة بعدم القدرة على إثبات المزاعم التي أدلى بها الألماني الدولي عندما واجهت كتيبة فرانك لامبارد السبيرز في ديسمبر 2019.
روديجر قال في تصريحات للصحافة في فبراير "في هذه الواقعة، فازت العنصرية. أنا مهتم للغاية بالأمر، لست في التحقيقات أو أنني ضابط شرطة، ولكنني آمل أن يقوم الناس بعملهم على أكمل وجه".
Getty Imagesوتابع "ولكن لم يحدث شيء، ولأكون صريحًا، لم يكن الأمر مفاجئًا بالنسبة لي، فهم يفلتون دائمًا من هذا".
"كان الدعم الذي يقدمه النادي وزملائي لي كبيرًا ولكن هذا لم يكن كافيًا بالنسبة لي، هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى العقاب، إنهم بحاجة إلى التعليم، إنه نقص في التعليم، الأمر بسيط.. لقد فشلنا في ذلك."
افتقار روديجر إلى الثقة في النظام ليس مفاجئًا نظرًا لزيادة شعبية الأيديولوجية اليمين المتطرف في العالم الغربي، ما أدى بدوره إلى زيادة جرائم الكراهية.
في وطن روديجر، ألمانيا، يواصل الحزب القومي الألماني كسب المؤيدين، بينما في بريطانيا التي يعيش فيها لاعب روما السابق، صادف حياته رغبة الأغلبية البريطانية في مغادرة الاتحاد الأوروبي بناءً على الحملة الكبيرة التي استندت لأفكار أجندة مناهضة الهجرة.
كما أدى البروز الزائد لهذه الأيديولوجية إلى زيادة جرائم الكراهية، حيث أظهرت أحدث الإحصاءات لمسح الجرائم في إنجلترا وويلز أن تلك الجرائم قد زادت بنسبة أكثر من الضعف في آخر 5 سنوات.
رويسين وود، رئيس منظمة كيك أوت قال "إذا كُنّا نشهد ارتفاعًا في جرائم الكراهية، فإن وزارة الداخلية والهيئات الأخرى تشهد ذلك أيضًا، كل هذا مرتبط ببعضه البعض في المجتمع ومن الطبيعي أن يحدث ذلك في كرة القدم أيضًا".
"في بعض الحالات التي رأيناها، هناك كراهية حقيقية ربما لم نرها كثيرًا في الماضي، إنها عنيفة حقًا وموجهة، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض التقارير التي رأيناها على وسائل التواصل الاجتماعي حقًا لا تريد أن تراها مرة أخرى."
"نحن نتحدث دومًا مع الناس الذين يشعرون أن هذه البلد لم تعد بلدهم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على السياسيين أن يأخذوا هذه المسؤولية على محمل الجد، فهم قادة البلاد وفي حاجة إلى تحديد نبرتهم بوضوح، المجتمع ينعكس في كرة القدم."
تحاول كرة القدم الرد، ففي كل عام تستثمر رابطة الدوري الإنجليزي 270 ألف جنيه استرليني في منظمة كيك أوت، تلك المنظمة التي تتلقى أيضًا 125 ألف جنيه استرليني من مختلف المنظمات الكروية في إنجلترا وعلى رأسها الاتحاد الإنجليزي.
PFA/Gettyفي الوقت نفسه، تصدر عدد من النجوم لحملة "كفى" التي تشمل الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 24 ساعة في محاولة لرفع مستوى الوعي حول الإساءات التي يتعرضون إليها بشكل يومي على الإنترنت.
بول إليوت، عضو المجلس الاستشاري للاتحاد الإنجليزي قال لجول "إننا في وقت صعب، لقد قلت دائمًا أنه حال وجود العنصرية في المجتمع فسوف تجدها في كرة القدم. لكن الكرة تقوم بعمل جيد حقًا في هذا المجال، من وجهة نظري، لا تحظى الأندية واللاعبون بالتقدير الكافي للعمل الذين يقومون به".
"الكل يريد أن ينظر إلى السلبية فقط، ولكن خلف تلك السلبية هناك المئات من الأسباب العظيمة التي تدعمها الأندية، المسؤولية الاجتماعية هي الأساس التي يقوم عليه كل نادٍ."
على الرغم من تنوع مجموعة عرقية متزايدة من اللاعبين الذين يمثلون الآن أفضل الأندية في جميع أنحاء العالم، إلا أن العنصرية عادت للارتفاع مجددًا، لذا ماذا يعني ذلك للأقليات الأخرى؟ هل يجب أن يكون لديهم نفس المخاوف عندما يتعلق الأمر بإساءة محتملة داخل أو خارج الملعب؟
كرة القدم هي مجرد لعبة، لكن نجومها يتم تمكينهم بشكل متزايد للتحدث علنًا، فمثلًا تمت الإشادة بكل قوة بشجاعة رحيم ستيرلينج وحديثه ومحاربته للعنصرية على الملأ في وسائل الإعلام البريطانية.
في النهاية، يمكن القول أنه ومن غير المحتمل أن تُستأصل العنصرية تمامًا من كرة القدم، قد لا تكون كرة القدم أبدًا خالية من مشكلة عانت منها منذ عقود طويلة..


