بمنتهى الشجاعة خرج جاريث ساوثجيت المدير الفني للمنتخب الإنجليزي واعترف بمسؤوليته عن هزيمة منتخب بلاده أمام نظيره الإيطالي في نهائي كأس الأمم الأوروبية يورو 2020.
لكن الشجاعة ليست كافية يا ساوثجيت، ولن تعيد لك ما خسرته بالفعل، ولن تعوض جماهير إنجلترا التي تعاني منذ عقود عن اللقب الأقرب الذي ذهب منهم بسبب قرارات غريبة!
قرارات ساوثجيت في ترتيب من يسدد ركلات الترجيح في المباراة كانت محل تعجب الجميع، وأصبحت السبب الأول في خسارة البطولة عند كل ناقد تحدث عن اللقاء.
تحليل خيارات ساوثجيت
نعم الخيار كان البدء بهاري كين في تصويب الركلة الأولى، فالرجل يملك من الخبرة والقدرة على تصويب ركلات الترجيح ما لا يملكه دونه في المنتخب كله.
بداية قوية من هاري كين كفيلة بجعل زملائه أكثر ثقة أثناء تسديد الركلات الخاصة بهم، وهو ما قد يؤول في النهاية لتحقيق اللقب.
العجب بدأ من الخيار الثاني، عندما رأينا هاري ماجواير يتقدم لتسديد الركلة الثاني، أراهن أي مشجع يتذكر متى آخر مرة سجل فيها ماجواير من ركلة جزاء، وعلى أي شيء يختاره ذلك المشجع.
مهما بحثت عزيزي المتابع على محركات البحث وفي سجلات الاتحاد الإنجليزي ورابطة البريميرليج لن تجد ذلك الهدف أبدًا، لماذا؟ لأن ماجواير لم يحاول تسديد أي ركلة جزاء من قبل في مسيرته الكروية كاملة.
نعم اللاعب عمره 28 عامًا، ولعب لبارنسلي وشيفيلد يونايتد وهال سيتي وويجان وليستر سيتي ومانشستر يونايتد ومنتخب الشباب الإنجليزي والمنتخب الأول وكانت تلك هي أول محاولة له على الإطلاق في تسديد ركلات الترجيح.
ما السبب الذي دفع جاريث ساوثجيت لاختيار هاري ماجواير كثاني من يسدد في ركلات الترجيح؟ ما هو السبب لاختياره في الأساس ضمن الخماسي الذي سدد؟ سيظل ذلك السبب سرًا ربما لن نعرفه حتى ننتقل للدار الآخرة.
الخيار الثالث بالنسبة لساوثجيت كان ماركوس راشفورد، وهنا لا نستطيع أن ننتقد ولا أن نمدح ساوثجيت، فراشفورد مميز في ركلات الترجيح في الحقيقة.
اللاعب تقدم لتسديد 17 ركلة جزاء في مسيرته، سجل 15 منهم بنجاح، وكان منهم ستة في الدوري الإنجليزي وواحدة بدوري أبطال أوروبا ضد باريس سان جيرمان كانت تحتاج لأعصاب حديدية.
أيضًا كان آخر من سجل لإنجلترا من ركلة جزاء في التحضير للبطولة، خلال مواجهة بلجيكا التي انتهت بفوز الأسود الثلاثة بهدفه الذي سجله من نقطة الجزاء.
لكن على الجانب الآخر، ففي العام الحالي 2021 لم يحاول راشفورد تسديد أي ركلة جزاء، الأسوأ أنه خلال آخر 12 شهرًا لم يلعب سوى ثلاث ركلات فقط منذ يوليو بالعام الماضي.
Goal/Gettyالخيار الرابع أيضًا كان لا بأس به، فجادون سانشو ضمن أفضل مسددي ركلات الجزاء في منتخب إنجلترا، في الواقع فسجل اللاعب لا يوجد به سوى إخفاق وحيد كان في كأس العالم للناشئين عام 2017 ضد العراق، وفي المقابل لديه عشر محاولات ناجحة سواء مع منتخب شباب إنجلترا أو المنتخب الأول أو رفقة شباب مانشستر سيتي وبوروسيا دورتموند.
الخيار الأغرب والذي سيبقى علامة استفهام على مدار السنوات المقبلة هو ذلك الخاص ببوكايو ساكا لاعب آرسنال الشاب.
غالبًا ما يكون خيار الركلة الخامسة هو الأفضل لحسم الأمور، لكن أن تضع الأقل خبرة في ملعب اللقاء لتسديد تلك الركلة، بكل تأكيد سينتقدك الجميع.
ساكا ليس فقط الأقل خبرة بشكل عام، بل هو الأقل خبرة في تسديد ركلات الترجيح، فاللاعب لم يسدد سوى ثلاث ركلات جزاء في مسيرته كاملة.
ولم يسدد أي ركلة جزاء منذ أن صعد للفريق الأول مع آرسنال، وحتى هؤلاء الثلاثة الذين سددهم من فشل في أحدهم لتكون نسبة نجاحه 66% فقط.
ساكا سيتحمل اللوم بينما يجب أن يتحمله جاريث ساوثجيت، لتدميره موهبة اللاعب الذي سيلقى الكثير من المعاناة خلال مسيرته بسبب تلك الركلة.
Goal/Gettyخيارات أخرى غير مفهومة!
بحسب ما أكدت لقطات مسربة فصاحب الركلة السادسة لو كانت ركلات الجزاء استمرت كان سيكون جورادن بيكفورد!
بيكفورد كان سيسدد .. كواليس إخفاق إنجلترا في ركلات الترجيح
نعم لقد قرأتم الاسم صحيح، هو حارس المرمى، كأن قائمة منتخب إنجلترا قد خلت من هؤلاء الذين يستطيعون تسديد ركلات الترجيح.
خيار آخر عجيب كان غياب جورادن هندرسون عن التسديد، بكل ما يملكه من قدرات كبيرة على تسجيل ركلات الجزاء، وأيضًا جاك جريليش.
عن ماذا كان يبحث ساوثجيت؟
البعض قد يرى أن إنجلترا لو فازت باللقب كان الكل سيعتقد أن جاريث ساوثجيت عبقريًا بسبب خياراته الغير مفهومة للجميع.
لكن الحقيقة كانت ستبقى واحدة، أن خيارات ساوثجيت حملت الكثير من المخاطرة الغير محسوبة، والغير مفهومة حتى، فعندما يقبل أحدهم على مخاطرة ما تكون الأرباح في الجانب الآخر مضاعفة على الأغلب لتلك الأرباح التي كان سيجنيها دون مخاطرة، لذلك فمخاطرته لم تكن ضرورية وربما حتى نستطيع أن نطلق عليها نوعًا من العنجهية.
الجميع يعلم أن الماضي الأليم لساوثجيت في ركلات الترجيح يلاحقه أينما ذهب، بعد أن منع إنجلترا من الصعود لنهائي يورو 1996 وأهدر ركلة الحسم ضد ألمانيا في نصف النهائي.
ربما لذلك السبب أراد الرجل أن يقضي على ذلك الماضي بالفوز بركلات الترجيح بطريقة غريبة ومميزة؟
لا أحد يعلم حقًا ما الذي فكر فيه ساوثجيت في تلك اللحظات، لكن المؤكد أنه لو عاد به الزمن وفكر ولو لدقيقة واحدة إضافية لكان قد غير كافة خياراته.
وجهة نظر أخرى
يرى جوزيه مورينيو المدير الفني السابق لمانشستر يونايتد والأسبق لريال مدريد أن ساوثجيت ليس مخطئًا بالرغم من الخيارات السيئة له.
مورينيو أوضح في تصريحاته أن بعض النجوم يرفضون تسديد ركلات الجزاء حتى لا يكونوا محل الانتقادات حال وقع الفشل.
قال مورينيو: "أنا أعرف جاريث ساوثجيت، لن يتحدث ويقول أن أحدهم رفض تسديد ركلات الترجيح، أو لم يكن مستعدًا لها، لقد حدث الأمر من قبل في روسيا بنصف النهائي، وها هو يتكرر".
وأضاف: "في أحيان كثيرة اللاعبون الذي يتوجب أن يتصدوا لركلات الترجيح يهربون من المسؤولية، أين كان رحيم ستيرلينج وجون ستونز ولوك شاو".
مورينيو يعود لمهاجمة شاو: لماذا لم يسدد ركلة جزاء؟
بيت القصيد
ربما أراد جاريث ساوثجيت أن يهرب من ماضيه الأليم في ركلات الجزاء، وربما وضع الخطة كما قال بناءً على المعطيات التي شاهدها في التدريبات.
وربما يكون المدير الفني تعرض لحالة من عدم التوفيق في خياراته ليس إلا، أو حتى تراجع بعض النجوم ورفضوا تسديد ركلات الترجيح خوفًا من الانتقادات وهجوم الجماهير.
لكن ستبقى الحقيقة واحدة وثابتة، جماهير إنجلترا هي الخاسر الأكبر من كل ما حدث، وجاريث ساوثجيت بدلًا من التخلص من الماضي الأليم، زاد جرحه عمقًا ليستمر معه لسنوات أخرى، ربما حتى تحقق إنجلترا لقبها الأول منذ مونديال 1966.
