لم يتحمل ضربتين في الرأس وتقليد خطة باريس .. تجديد محمد صلاح مع ليفربول "خطأ فادح أم قوة لا يستهان بها"؟

في الوقت الذي كان صلاح يتحدث فيه خارج الملعب، عن اقترابه من مغادرة ليفربول، كان الجناح المصري يقدم واحدًا من أفضل مواسمه داخل الملعب، بعدما سجل 34 هدفًا وصنع 23 تمريرة حاسمة في 52 مباراة رسمية.

صلاح فاز بجميع الألقاب الفردية الممكنة في البريمييرليج، خلال موسم 2024-2025، كأفضل هدّاف وصانع ألعاب، وأفضل لاعب من رابطة الدوري الإنجليزي ورابطة كتّاب كرة القدم الإنجليزية، كما زيّن الموسم بقيادة الريدز للتتويج بلقب الدوري، في العام الأول للمدرب الهولندي آرني سلوت.

ومن أجل ذلك، أفادت صحيفة "ذا صن"، بأن عقد صلاح الجديد جعله الأعلى أجرًا في تاريخ ليفربول، وأحد أعلى الأجور في تاريخ الدوري الإنجليزي، حيث يبلغ 400 ألف جنيه استرليني أسبوعيًا، بزيادة 50 ألف عن عقده الماضي.

كل هذا رائع، ولا يختلف عليه اثنان، ولكن هل كان ليفربول على صواب بتجديد عقد محمد صلاح؟

إدارة ليفربول - وعلى غير العادة - قدمت دعمًا سخيًا للغاية في الميركاتو الصيفي الجاري، بعدما أنفق حوالي 293 مليون يورو على الصفقات، وهو رقم كبير جدًا مقارنة بالفترات الماضية، أبرزهم فلوريان فيرتس، الذي بات الصفقة الأغلى في تاريخ الليفر بـ125 مليون، وزميله في باير ليفركوزن، جيريمي فريمبونج مقابل 40 مليون، كما ضم المهاجم هوجو إيكيتيكي مقابل 80 مليون، وميلوس كيركيز مقابل 46.9 مليون.

إذن فالسؤال هو "كيف يفكر ليفربول في خطوة تجديد صلاح رغم طوفان التعاقدات، وتحديدًا في المنطقة الهجومية؟"، خاصة بعدما شهدت مفاوضات التجديد فترة طويلة بين الشد والجذب، ناهيك عن اتجاه الإدارة نحو صفقات جديدة تتسم بصغر السن.

- السيناريو الأول: تحقيق الاستفادة القصوى من صفقة محمد صلاح، في حالة بيعه مستقبلًا، ولا يكفي ليفربول أن يرحل الجناح المصري بشكل مجاني، أو يتم شراء مدة قليلة متبقية من قيمة عقده، كما حدث في سيناريو الظهير الإنجليزي أليكساندر آرنولد الذي اضطر ريال مدريد لدفع 10 ملايين يورو من أجل ضمه سريعًا للمشاركة في كأس العالم للأندية 2025، رغم أنه كان سيصبح مجانيًا بعد 29 يومًا فقط.

هذا الأمر كان سيحدث مع صلاح، أيضًا، كما أوردت تقارير عالمية بأن الهلال تواصل مع ليفربول من أجل شراء المدة المتبقية في عقد المصري، الذي كان سينتهي هذا الصيف، من أجل الانضمام لكتيبة سيموني إنزاجي في مونديال الأندية، قبل أن يتم تجديد عقده بشكل رسمي.

- السيناريو الثاني: الدور القيادي الذي يمارسه صلاح في ليفربول، والذي صار أحد أقدم لاعبي الفريق، ويرتدي شارة القيادة في العديد من المباريات، رغم اعتبار المدافع الهولندي فيرجيل فان دايك هو قائد الفريق الأول.

- السيناريو الثالث: عدم تحمّل ثورة جماهيرية كانت ستشتعل في حالة قبول رحيل محمد صلاح، بعدما قدم موسمًا استثنائيًا مع ليفربول، فضلًا عن خروجه في أكثر من مناسبة، برسالة جديدة تستميل عاطفة الجماهير.

- السيناريو الرابع: هو إجراء عملية نقل "سلمي" للفريق من الاعتماد على النجم الأول إلى المجهود الجماعي بين العناصر الشابّة، على غرار ما فعله باريس سان جيرمان، حينما رحل كيليان مبابي إلى ريال مدريد، لتكشف كتيبة لويس إنريكي الستار عن مواهب شبابية قادت العملاق الباريسي للفوز بدوري أبطال أوروبا، لأول مرة في تاريخه.

إذا نظرنا إلى مباراتي ليفربول الوديتين أمام ميلان ويوكوهاما مارينوس، فإنها ستجعل أي عاشق لوضع الفريق، بنظرتين؛ نصف الكوب الممتلئ وآخر فارغ.

النصف الممتلئ هو الانسجام الذي شهدناه بين الألماني فلوريان فيرتس، القادم حديثًا من باير ليفركوزن، ومحمد صلاح، ومع تواجد إيكيتيكي في قلب الهجوم، وظهور موهبة شابة وهو ريو نجوموها، فإن الريدز سيمتلك قوة هجومية لا يٌستهان بها، أضف عليها احتمالية التعاقد مع مهاجم جديد، بعد ارتباط اسمه بالتفاوض مع نيوكاسل، لضم الهداف السويدي أليكساندر إيزاك.

أما النصف الفارغ فهو "المخاطرة" التي حملها قرار إدارة ليفربول، بتجديد عقد صلاح، ومن ثم التعاقد مع فيرتس، فنحن نتحدث عن صانع ألعاب شاب، قادر على التوغل في العمق، والانتشار على الأطراف، كما يجيد أيضًا الانطلاق من الجهة اليمنى، وهو الأمر الذي قد يتسبب في "تداخل" الأدوار بين الطرفين، وقد يؤثر أيضًا على الجناح المصري في مبارياته المُقبلة مع الريدز، فضلًا عن وجود فيديريكو كييزا وهارفي إليوت اللذين يمكنهما لعب دور صلاح.

استمرار صلاح مع ليفربول هو بمثابة "مجازفة"، تتطلب من الجناح المصري أن يستمر في أرقامه المذهلة التي حققها في قلعة الآنفيلد، خلال الموسم الماضي، خاصة بعدما حقق لقب الدوري الإنجليزي مع آرني سلوت، وعادل الرقم القياسي مع مانشستر يونايتد في عدد ألقاب البريمييرليج، ليكون هدفه الأول هو تحقيق دوري أبطال أوروبا، في موسم 2025-2026.

ومنذ صيف 2023، الشهير بسوق الميركاتو التاريخي الذي شهد توافد نجوم العالم إلى دوري روشن السعودي، فإن اسم محمد صلاح يرتبط باستمرار بفكرة الانتقال إلى المملكة، لما يملكه من شعبية عالمية جارفة، ولعل الفترة الشتوية الماضية كانت شاهدة على ضجة كبرى في الأوساط السعودية، بعد أنباء اقتراب الهلال من الظفر بتوقيع "مو"، قبل تجديد عقده.

وقال صلاح، في مايو الماضي، إنه لو ما جدد عقده مع ليفربول، لكانت فرصته كبيرة جدًا للانتقال إلى الدوري السعودي، وإنه يمتلك علاقة جيدة للغاية مع السعوديين، وكانوا يرحبون به ويقدرونه كثيرًا، ولا يزال على تواصل معهم حتى الآن.

هذا الأمر وإن تزامن مع استعدادات السعودية لتنظيم حدث قاري كبير في عام 2027، وهو بطولة كأس آسيا، وكذلك مساعي المملكة لضم نجوم العالم، لينضموا إلى المشروع التاريخي الذي سيتكلل باستضافة كأس العالم 2034، فمن المحتمل أن يعتبرها ليفربول نقطة "شبه" مضمونة، تستحق التجديد لصلاح بمبلغ كبير، إن كان سيرحل إلى السعودية، في الصيف المُقبل، على سبيل المثال، بمقابل أكبر، ولكن كما ذكرتُ، فإن هذا الأمر يعد مجازفة أمام الجناح صاحب الـ33 عامًا، لتكرار موسمه التاريخي مع الريدز على مستوى الأرقام التهديفية والألقاب أيضًا.

هل أخطأ ليفربول ومحمد صلاح في خطوة تجديد العقد؟ من الناحية الفنية، يمكن وصف الأمر بأنه مجازفة كبيرة، بعد ضم فيرتس وإيكيتيكي، والاتجاه لضم مهاجم جديد، ولكن يمكن تفسير الأمر بأن إدارة الريدز لم تتحمل "ضربتين في الرأس"، بعد رحيل آرنولد إلى ريال مدريد بـ10 ملايين يورو، وكان يمكن أن يصير الانتقال مجانًا لولا خطوة كأس العالم.

لا يختلف اثنان على تاريخ صلاح مع ليفربول، وباتت جماهيره في انتظار قوة هجومية كبرى، بعد ضم عناصر هجومية جديدة، ولكن، هل تحقق تلك العناصر الانسجام معًا، ويحافظ الجناح المصري على أرقامه المذهلة في موسم 2025-2026، ويثبت أن تجديده مع ليفربول كان خطوة صائبة؟ سنرى.