Arteta-Guardiola-Arsenal-Man-CityGetty/GOAL

خرافات السوشيال ميديا .. "المُفسدان" أرتيتا وجوارديولا هما السبب في تدمير كرة القدم!

في 24 فبراير الماضي، خرج محمد أبو تريكة بجملة أصبحت التريند الأول على مواقع التواصل الاجتماعي، والسبب هو إمتاع آرسنال بصورة غير مسبوقة مع ميكيل أرتيتا.

أبو تريكة طلب مازحًا من القناة الناقلة للدوري الإنجليزي بالمنطقة العربية، رفع قيمة الاشتراك لمباريات المدفعجية لأنها الأكثر متعة ومن كوكب آخر.

دعونا نحرك الزمن للأمام قليلًا، وبالتحديد يوم 30 مارس الماضي، عندما قدم نيوكاسل ووست هام ملحمة كروية مبهرة انتهت بفوز الماكبايز 4/3، ليكون التريند وقتها "مرحبًا بالكرة الجميلة ومتعة الدوري الإنجليزي بعد أسابيع من المباريات الباهتة في التوقف الدولي"..

اضغط هنا لتحميل تطبيق TOD TV من متجر جوجل أو أبل

وبعد 24 ساعة فقط من هذا الاحتفاء بعودة الكرة الجميلة، وجدنا فجأة أن متعة كرة القدم اختفت تمامًا، وقام المدربون الأشرار بتدميرها بسبب أساليبهم الحديثة التي تمنع اللاعبين من الإبداع، وذلك لأن آرسنال تعادل مع مانشستر سيتي من دون أهداف على ملعب الاتحاد.

هذا يؤكد لنا حقيقة واحدة، أن التريند يلغي ما قبله أي كانت حقيقته أو صوابه، وهذا هو الفخ الذي يقع فيه أحدهم الذي سنطلق عليه لقب "صديقنا المميز"..

  • Georgia fans 2024Getty Images

    من هو هذا الصديق؟

    السوشيال ميديا تنقسم إلى نوعين من الأشخاص، نوع يخلق التريند عن طريق أي شيء مُلفت حتى ولو لم يكن صحيحًا، وفريق آخر يسير خلف النوع الأول وينشر ما يقوله.

    ولذلك دعونا نتعرف على صديقنا الذي ينتمي إلى النوع الثاني، فهو شخص مميز تجذبه العبارات الرنانة والمنمقة على مواقع التواصل مثل "استبدلوا الشعراء بالجنود" وغيرها من تلك الأشياء التي تعطي الأمور أكبر من حجمها.

    صديقنا المميز لا يحب كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، ويؤمن بأن جناح أحد أندية الدوري السلوفيني الذي لم يشاهد له أي مباراة يتفوق على الثنائي بمسافة بعيدة، ولكنه مظلوم ولم يحصل على فرصته، لأن المدربون الأوغاد لا يأخذون الـ"threads" على منصة إكس بمحمل الجد لاختيار المواهب وتقييمها.

    هو نفس الشخص الذي يدافع عن مدرب فريقه عندما يخطف نقطة أو يفوز بضربة حظ أو خطأ تحكيمي فادح، ليخرج علينا ويقول إن هذا المدرب العبقري تحلى بالواقعية من أجل الفوز، وذلك رغم أن عشب الملعب تم مسحه بأجساد لاعبي فريقه لمدة 90 دقيقة من المراوغات ومحاولة اللحاق بالكرة.

    هل يعترف أن فريقه لا يمتلك الجودة الكافية لمقاومة ضغط الخصم وعمل 4 أم 5 تمريرات متتالية؟ لا، لأن هذا شيء بديهي وواضح ولن يجلب أي تفاعل!

  • إعلان
  • Mikel Arteta Arsenal 2023-24Getty Images

    المتهم الأول .. ميكيل أرتيتا

    بسبب التريند قرر صديقنا تصوير آرسنال على أنه ستوك سيتي، ومانشستر سيتي كنسخة رديئة من أتلتيكو مدريد، في انتظار تريند آخر يلغيه لينشره ويصدقه، حتى لو كان يتناقض مع سابقه.

    في رأيه أن آرسنال كان مذنبًا وأصبح يقتل جمال اللعبة، بعد أسابيع قليلة من مطالب أبو تريكة برفع قيمة الاشتراك لمباريات آرسنال، بسبب المتعة التي يقدمها واكتساحه بيرنلي ووست هام ونيوكاسل يونايتد.

    ولكن من حسن الحظ أن أبرز مميزات ميكيل أرتيتا منذ قدومه كمدرب لآرسنال، هو أنه لا يكترث لما يُثار حوله من انتقادات، لأنه كان يعرف ما يحتاجه فريقه منذ البداية، وما كان ينقصه فقط هو الأدوات، ولذلك وجدنا أن آرسنال يحصل على 4 نقاط من مانشستر سيتي ذهابًا وإيابًا ونفس الشيء مع ليفربول، وأصبح صاحب الدفاع والهجوم الأقوى في إنجلترا، ليكون من كبار المرشحين للفوز بالدوري الإنجليزي.

    حتى أنا أخطأت وهاجمته على اتباع نفس منهج جوارديولا، ولكن لا مانع من الاعتراف بالخطأ ورفع القبعة للإسباني.

    المدرب الإسباني سيتجاهل على الأرجح كل هذه الاتهامات بتدمير اللعبة بعد مباراة واحدة نعترف أنها كانت مملة، لأنه لا بأس من عدم الإمتاع لمباراة أو حتى بضعة مباريات، في سبيل الحلم الأكبر وهو الفوز بالدوري الإنجليزي وضمان نجاح مشروعه الذي انفق عليه النادي الملايين في آخر 5 سنوات.

    أرتيتا لن يكترث كثيرًا بمن يلومونه على استبدال شكودران موستافي ودافيد لويز وسوكراتيس وروب هولدينج، بالثنائية الدفاعية الأقوى في أوروبا متمثلة في ويليام ساليبا وجابرييل.

    هؤلاء أرادوا رؤية "حفلة" من إرلينج هالاند وكيفين دي بروينه، تتلاشى بعدها أحلام وطموحات آرسنال ومشروعه، والمضحك أنهم استخدموا نجاحاته كدليل إدانة ضده!

  • Bukayo Saka Arsenal 2023-24Getty Images

    استبدلوا الشعراء بالجنود

    منذ قدومه إلى آرسنال واجه أرتيتا عدة مشاكل عجز الجميع عن حلها، ولعل أبرزها هو دفاع الفريق الذي كان صيدًا سهلًا لأي لاعب مهما كانت قدراته المحدودة.

    مشكلة أخرى وهي أن آرسنال فريق كان من السهل توقعه بسهولة للغاية بل تم إطلاق عليه لقب "Arsenal Sideways" وهي إشارة إلى الاستحواذ بالتمرير العرضي غير المفيد.

    ولذلك قرر أرتيتا الاعتماد على أسلوب اللعب التموضعي الذي ينتهجه بيب جوارديولا مع مانشستر سيتي، وذلك من أجل القضاء على أهم مشكلتين في الفريق.

    هذا الأسلوب ببساطة دون الخوض في الكثير من التفاصيل، يعتمد على إنشاء مثلثات أو مربعات تمرير، يكون من السهل تحريك الكرة من خلالها لخلق التفوق بين الخطوط وخلفها.

    ويعتمد أيضًا على إقحام "اللاعب الثالث" أو اللاعب الحر الإضافي، الذي يتحرك بحرية في ملعب الخصم من خلال التمرير والحركة وخلق المساحات لزملائه بدلًا من التمرير الممل والاستحواذ السلبي.

    الطريقة التي اعتمد عليها أرتيتا تسببت في حل المشكلتين بأفضل صورة ممكنة، الالتزام بالمربعات والمثلثات المخصصة لكل لاعب تسبب في اختفاء "الشوارع" في دفاع آرسنال وحولته من أضحوكة إلى أحد أقوى الخطوط الخلفية في العالم، حيث لم يستقبل سوى 4 أهداف فقط في عام 2024.

    والدور الذي يقوم به أوليكساندر زينتيشينكو بالتحرر من مركز الظهير الأيسر إلى خط الوسط، تسبب كذلك في جعل الفريق يهاجم بصورة مباشرة يمكنها مباغتة الخصوم بفضل تمريراته المميزة الكاسرة للخطوط، بدلًا من الاستحواذ عديم الفائدة الذي كان يخسر آرسنال بسببه أمام الصغار قبل الكبار بأي هجمة مرتدة.

    أسلوب آرسنال جعله يقدم مباريات قمة في الإمتاع أمام مانشستر يونايتد، وست هام، نيوكاسل، لوتون، كريستال بالاس، ليفربول، بالإضافة للحفلات التي قدمها في دوري أبطال أوروبا بدور المجموعات، ولكن كل شيء تغير بعد مباراة واحدة فقط، وأصبح ينشر "المميزون" بعض المقاطع لدفاع آرسنال المتكتل ضد مانشستر سيتي كدليل إدانة.

    يقولون الآن إن آرسنال استبدل الجنود بالشعراء، فلو كان الشعراء هم موستافي وسوكراتيس وولويز، فأهلًا وسهلًا بالجنود في أي وقت!

    هل غابت اللمحات الفنية والكرات المهارية حقًا عن آرسنال هذا الموسم بسبب تفوقه الدفاعي؟ ماذا عن هدف لياندرو تروسار في ليفربول، وملحمة نيوكاسل وسداسية وست هام وغيرها من المستويات الكاسحة!

    بالمناسبة، مباراة آرسنال وليفربول التي فاز بها المدفعجية 3/1 كانت من ضمن الأمتع هذا الموسم، واكتسح فيها آرسنال الريدز بشكل واضح، ولكن التريند وقتها كان الصورة التي التقطها مارتين أوديجارد لمصور النادي!

  • Pep Guardiola Erling Haaland Manchester City Premier League 2023-24Getty

    المتهم الثاني .. بيب جوارديولا

    بفضل صديقنا المميز سيكون علينا الدفاع عن بيب جوارديولا، ومحاولة تبرئته من تهمة الأسلوب الممل الذي سيقتل كرة القدم ويُدمر متعتها.

    من المعروف أن بيب يعتبر من أكثر المدربين صرامة في العالم، ويتمسك بخلق منظومة يلتزم فيها الجميع بتعليماته في ظل إطار اللعب التموضعي بكافة تفاصيله.

    ولكن هل حرم هذا النظام الصارم فيل فودين من التألق هو وجيريمي دوكو وكيفين دي بروينه وبرناردو سيلفا؟ وهل حرم رياض محرز من قبله في استخدام مهاراته الفردية؟ هل حقًا مانشستر سيتي فريق ممل يلعب كرة قدم خالية من اللقطات الجمالية؟

    لو كانت هذه حقيقة كيف حقق مانشستر سيتي لقب الدوري الإنجليزي 3 مرات متتالية، وكيف حقق الثلاثية العام الماضي وأمتع أمام ريال مدريد وسحقه برباعية نظيفة في ملعب الاتحاد الموسم الماضي؟

    تخيل أن هذه الاتهامات تأتي بعدما عجز أي فريق عن الخروج بشباك نظيفة أمام مانشستر سيتي على ملعب الاتحاد لـ57 مباراة، بمجموع 882 يومًا، وهو الرقم الذي كسره آرسنال مؤخرًا.

    لو كنت تعتبر جوارديولا مملًا لأنه يفوز أكثر من اللازم وقتل المنافسة بشراسته غير المسبوقة، فهذا من الممكن فهمه، ولكن اتهامه بالملل وقتل المتعة فهذا قمة الجحود تجاه من قدم كرة القدم الأمتع في العصر الحديث مع برشلونة.

    وللتأكيد على أن هذه المتعة لا تزال مستمرة، يجب التطرق إلى الإحصائية التي نشرها موقع مانشستر سيتي الرسمي في 18 يناير الماضي، والتي تشير إلى أن الفريق سجل وقتها 707 هدفًا في 286 ومباراة بالدوري الإنجليزي، بمعدل 2.47 هدف في كل مباراة، وهو رقم أعلى من أي مدرب آخر منذ قدوم المدرب الكتالوني.

    وبالعودة إلى صديقنا، سنجد أنه ينجرف بنفس الطريقة في التعامل مع كارلو أنشيلوتي حسب النتائج مع ريال مدريد، وذكرنا هنا الإيطالي لأنه النموذج المُخالف تمامًا لجوارديولا، فهو يعطي اللاعبين كل الحرية للارتجال خاصة في مناطق الهجوم.

    عندما يفوز أنشيلوتي تنهال الإشادات عليه بأنه "يعرف من أين تؤكل الكتف" والوريث الشرعي لـ"شخصية البطل"، وحينما يخسر تظهر عبارات "أنت لست مدربًا، لا توجد لديك خطة أو منظومة واضحة"، "اذهب إلى البرازيل يا جدو"!

    لذلك من المستحيل أن ترضيهم بالارتجال أو اللعب كمنظومة، ستتعرض للانتقاد مهما حدث ولا مجال للهروب!

  • Declan Rice Arsenal 2023-24Getty Images

    لماذا تعادل آرسنال مع مانشستر سيتي في "قمة الملل"؟

    هذه الأسباب ستكون واضحة وصريحة وليست "Trendy"، وهي ببساطة هي أن مانشستر سيتي لعب أمام فريق مختلف تمامًا عن الذي شاهدناه على مدار السنوات الماضية.

    آرسنال كان عليه الالتزام بخطته وأسلوبه لغلق المساحات تمامًا على مانشستر سيتي، وكان على بيب جوارديولا فعل نفس الأمر، لأن المدفعجية هم خط الهجوم الأشرس في الدوري الإنجليزي.

    هناك واقعة شهيرة حدثت في دوري أبطال أوروبا في إياب نصف نهائي نسخة 2013/2014، عندما خسر بايرن ميونخ مع بيب جوارديولا أمام ريال مدريد بنتيجة 4/0 في دوري أبطال أوروبا، ووقتها تخلى الإسباني عن طريقة اللعب التموضعي، واعتمد على أسلوب 4/2/4.

    وقتها غاب الدعم عن خط الوسط وخسر الفريق الكثير من الكرات ليمنح الفرصة لريال مدريد لالتهام شباكهم، وفشل في فرض شخصيته المعتادة في الهجوم، وهذا ما كان سيحدث أمام آرسنال لو تخلى بيب عن أسلوبه بهذه الطريقة أو بأي شكل آخر.

    ما شاهدناه كان طبيعًا، فهي مواجهة بين مدربين يعرفان بعضيهما البعض وعملا معًا في مانشستر سيتي، ويلعبان بنفس الطريقة، لذلك نسبة الخطأ قليلة ومحدودة للغاية بسبب الجودة واعتبار أن كل مدرب بمثابة الكتاب المفتوح للآخر.

    آرسنال كان لديه الكثير ليخسره، لأن الهزيمة المعتادة على ملعب الاتحاد بثلاثية أو رباعية بتوقيع إرلينج هالاند وكيفين دي بروينه، كانت ستجعله في المركز الثالث متأخرًا عن ليفربول بـ3 نقاط، وهزيمة مانشستر سيتي كانت ستعني تلاشي أحلامه تمامًا في الحصول على اللقب لأنه كان سيبتعد عن آرسنال بـ4 نقاط.

    لذلك كان من الصعب على أي منهما التضحية بموسم فريقه من أجل إمتاعك، الأمر لا يتعلق بتدمير كرة القدم ولا أي شيء آخر، لأن آرسنال ومانشستر سيتي لعبا الكثير من المباريات الممتعة هذا الموسم، وما حدث في ملعب الاتحاد الأحد الماضي هي مجرد مباراة واحدة لا يمكن من خلالها إصدار الأحكام النهائية بهذه الطريقة الغريبة.

    وفي النهاية دعني أخبرك أنك تمتلك كامل الحق لعدم الإعجاب بأي مدرب وانتقاد أسلوبه، ولكن لا تصبح مثل صديقنا، فهو يسير خلف التريند ولا يبحث عن الحقيقة!