Depression GFXGOAL AR

بين ملل زيدان وإثبات بيكهام .. كرة القدم تسبب الاكتئاب والانتحار في "جمهورية الدوبامين"

تمر جملة الصحة النفسية للاعبي كرة القدم بشكل عابر ونقرأها على لسان العديد من النجوم السابقين والحاليين دون الالتفات إلى قيمتها الحقيقية.

تعرضك للانتقاد العنيف الذي يصل أحيانا لانتهاك الآدمية يتناسب طرديًا مع راتبك وما دفعه ناديك من أجل التعاقد معك وبالطبع مع أخطائك، ولو اعترضت سيطلبون منك بأن تتمتع بجلد سميك ولا تكون لينًا أمام هذا الهجوم!

سيطلبون منك التعلم من كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، ومحاولة اقتباس أي شيء من كاريزما زلاتان إبراهيموفيتش دون النظر إلى الحقيقة البديهية أننا بشر طباعنا مختلفة ومتفاوتة من شخص لآخر.

من يطالبون اللاعبين بالتمتع بجلد سميك لا يدركون أنهم قد يدفعوهم نحو الاكتئاب والعزلة عن العالم بل ربما الانتحار !

اضغط هنا لتحميل تطبيق TOD TV من متجر جوجل أو أبل
  • Harry Maguire Man Utd 2023-24Getty Images

    كل شيء على المكشوف

    كرة القدم من أصعب المجالات الترفيهية على الإطلاق، لأن اللقطة تحدث فيها مرة واحدة فقط، من دون مونتاج أو إعادة أو محاولات للتعديل وإصلاح الأخطاء.

    تخيل أن تشاهد أي فيلم لأكبر وأعظم النجوم العالميين دون مونتاج، أو تسمع أغنية لمطربك المفضل دون التعديلات المتطورة لإظهار الصوت في أفضل شكل ممكن، هل ستنهال وقتها بالشتائم والسباب على ممثلك ومطربك المفضل لأنه لا يستطيع القيام بوظيفته؟

    كم من هاري ماجواير وشكودران موستافي ونيكلاس بنتنر سنراهم في مثل هذه المجالات لو حدث كل شيء على المكشوف دون أي فرصة لإخراج المشهد بأفضل صورة ممكنة وإعادته أكثر من مرة؟

    هنا نحن لا ندافع عن أي لاعب لا يقوم بأداء وظيفته، ولكن هي دعوة للتعامل بصورة أقل حدة مع الأخطاء لأنها بشرية، ومنح اللاعبين فرصة ثانية وثالثة لإثبات أنفسهم بدلًا من الترصد وانتظار كل خطأ لبدء "التحفيل" ضده وإنهاء مسيرته في لحظة.

    نماذج عديدة لم تنجح في التعافي وانهارت مسيرتها بشكل كامل بعد هذه الممارسات، لأن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت من كل لقطة كارثة وحولتها إلى كابوس يطارد كل لاعب لعدة أيام بل أسابيع وأشهر.

  • إعلان
  • Vinicius Junior Real Madrid 2023-24Getty Images

    هنا تسمع ما لا تحب

    طبيبة علم النفس الأمريكية "آنا ليمبكي" استعرضت مع صحيفة "جارديان" البريطانية بعض المقتبسات من كتابها "جمهورية الدوبامين" والتي تطرقت خلاله إلى إدمان الأشخاص في كل أنحاء العالم للسوشيال الميديا بحثًا عن المشاعر الإيجابية لمجرد" لايك" أو مشاهدة لتدوينة أو مقطع فيديو.

    والدوبامين لمن لا يعرفه هو ناقل عصبي مسؤول عن السعادة في جسم الإنسان، ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مؤخرًا من أهم مصادره، من خلال تعليق جيد أو إشادة أو إعجاب بصورة.

    لسبب ما يعتقد البعض أن حصول اللاعبين على راتب مرتفع يجعلهم مختلفين عن الأشخاص العاديين، فهم بحاجة إلى "جلد سميك" للتعود على التنمر والعنصرية والإساءة.

    من الطبيعي أن يتم وصف هاري ماجواير بـ"الثلاجة" والتنمر على حجم رأسه، وكذلك من العادي وصف فينيسيوس جونيور بـ"القرد" وإرسال تهديدات بالتعدي على أطفال جرانيت جاكا، لأنهم يتقاضون رواتب مرتفعة وعليهم تحمل كل ذلك.

    في الماضي لم يكن الأمر بهذه الصعوبة وكانت الأمور تقتصر على بعض المناوشات من المدرجات، ولكن الآن ستجد ألقابًا تطاردك وتطارد عائلتك في كل مكان، وصاحبها سيفلت من العقاب في هذا العالم المفتوح بأقل درجات ممكنة من الرقابة.

  • البداية ليست سهلة

    لأن التنمر يصل إلى أقصى الحدود في إنجلترا وبريطانيا عمومًا بالإضافة للضغوط الطبيعية لأي لاعب، كان من الطبيعي أن تعلن رابطة اللاعبين المحترفين في عام 2020 بأن 22% من اللاعبين السابقين في إنجلترا وويلز يعانون من الاكتئاب بل درسوا فكرة الانتحار بشكل جدي.

    الكرة بطبيعتها لعبة تعتمد على استخدام العقل قبل الجسد في الكثير من الأحيان، هناك من يكون جاهزًا للتعامل مع كل ذلك من اللحظة الأولى بمسيرته وحتى الاعتزال، وهناك البعض الآخر الذي فشل في التعامل مع ذلك قبل أن يبدأ مشواره الاحترافي من الأساس.

    هنا نتحدث عن جوش لايونز الذي فشل في التعافي من تسريحه من أكاديمية توتنهام وعمره 16 سنة، لينتحر تحت قضبان القطار وعمره 26 سنة في عام 2013 بعدما سارت مسيرته بطريقة أقل مما توقعها.

    وفي أكتوبر 2020 انتحر كذلك جيريمي ويستون بسبب تسريحه من أكاديمية مانشستر سيتي وعدم تمكنه من العثور على أي فريق آخر بعدها.

    نحن هنا ذكرنا شخصين فقط تم تسليط الضوء عليهما، ولكن رابطة الدوري الإنجليزي سبق وأن أعلنت أن 10% فقط من لاعبي الأكاديميات ينجحون في دخول الفريق الأول بأندية إنجلترا، فما بالك بما يحدث لباقي المواهب التي ذهبت أدراج الرياح.

  • ENJOYED THIS STORY?

    Add GOAL.com as a preferred source on Google to see more of our reporting

  • لن تنجو بعد الاحتراف

    حتى النجوم الذين دخلوا إلى عالم الكرة وقضوا سنوات طويلة كمحترفين ليسوا بعيدين عن هذه المأساة، والنماذج هنا لا يوجد أكثر منها للنجوم الحاليين أو السابقين.

    توني آدامز أسطورة آرسنال السابق الذي أدمن الكحول ونجح بعدها في التعافي، ستيفن كولكر سبق أن تحدث كذلك عن إدمانه للمقامرة والكحول وحتى عندما تخلص من هذا الإدمان وجد الاكتئاب يطارده.

    داني روز الذي تحول من أحد اللاعبين المفضلين لجماهير توتنهام إلى لاعب منبوذ لا يجد أي فريق يلعب له تعرض كذلك إلى أقصى درجات الاكتئاب، وكذلك آرون لينون الذي تم القبض عليه في 2017 بعد محادثة مع الشرطة لمدة 20 دقيقة في سالفورد، ليتم وضعه في المستشفى للعلاج من مرض مرتبط بالتوتر.

    إسحاق كوينكا خريج أكاديمية برشلونة الذي كان زميلًا لليونيل ميسي، اعتزل كرة القدم وعمره 32 سنة بعد سلسلة من الإصابات والفشل ليخرج للتأكيد بأن هذه اللعبة دمرت حياته.

    كوينكا قال في تصريحات سابقة لإذاعة راديو ماركا:"خضعت إلى 6 عمليات جراحية في الركبة كلها في نفس المكان، عانيت كثيرًا وساقي أصبحت مثل الكرة لذلك قررت الاعتزال".

    وأضاف:"الشيء الأهم هو أن كرة القدم علمتني أن كل شيء لن يسير بالطريقة التي تريدها، لو كنت جيدًا فهناك من هو أفضل منك، ولو ظننت أنك عظيمًا ستجد الإصابات تلاحقك ولن يحبك أحد، تعلمت أنك لو قررت التشبث بشيء ما قد يدمرك، وهذا ما فعلته بي كرة القدم".

  • David Beckham England Argentina red card 1998 World CupGetty

    الجماهير لا تساعد

    رغم قسوة الوضع الحالي بكل ما فيه من تسليط للضوء وإصدار للأحكام في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن بعض العظماء والأساطير فشلوا في التعامل مع الأمر عندما كان أقل شراسة.

    النجم الإنجليزي ديفيد بيكهام تحدث في الفيلم الوثائقي له عن ما حدث له بعد طرده خلال مباراة إنجلترا ضد الأرجنتين في كأس العالم 1998، والإساءة التي عانى منها هو وعائلته والاكتئاب الذي أعقب ذلك.

    وقال بيكهام:"أينما ذهبت كنت أتعرض للانتهاكات كل يوم، كنت أمشي في الشارع وأرى الناس ينظرون لي بطريقة غريبة ويبصقون تجاهي ويسيئون لي، لم أستطع النوم أو الأكل بتلك الفترة".

    هناك وجهة نظر أخرى قالها زين الدين زيدان أسطورة ريال مدريد مؤخرًا، عندما تم سؤاله عن اعتزاله بعد كأس العالم 2006 لشعوره بالاكتئاب، خاصة وأن هناك دراسة تقول أن 95% من الرياضيين يعانون من هذا المرض في مراحل مختلفة من مسيرتهم.

    زيدان قال لبرنامج "The SKWEEK Show" إنه اعتزل لمجرد الشعور بالملل من التجمعات والمعسكرات وعدم العودة للمنزل.

    حديث نجم ريال مدريد يبدو صادقًا إلى حد كبير ولكن ليس كل اللاعبين زيدان بطبيعته الهادئة التي تصل إلى حد البرود وقوة شخصيته!

  • Bernd Leno Fulham 2022-23Getty Images

    الحل؟ افعلها مثل لينو

    إمكانية التحكم في ملايين الجماهير على مستوى أنحاء العالم أمر صعب للغاية، لذلك يمكن السير على خطى الألماني بيرند لينو حارس آرسنال وفولهام السابق.

    لينو سبق أن لعب مباراة سيئة مع باير ليفركوزن، ليطلب منه أحد الجماهير أن يفعل مثل روبرت إنكه الحارس الألماني السابق الذي انتحر في 2009 بسبب شعوره بالاكتئاب.

    ما قاله الألماني يؤكد أن البعض يبحث عن انتصارات شخصية وشعور بالقوة الزائفة للحصول على المزيد من الدوبامين عن طريق الإساءة لشخص ليس أمامه للرد عليه بالطريقة التي يستحقها.

    حارس فولهام الحالي قال لشبكة "سكاي سبورتس":"لعبت مباراة سيئة للغاية، ووجدت أحد الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي يطالبني بالانتحار مثل إنكه، ووقتها أدركت أن هناك الكثير من الأشخاص الأغبياء بهذه المواقع، ولذلك توقفت عن تصفحها تمامًا حتى عندما تكون هناك تعليقات إيجابية عني".

    وأضاف:"لست بحاجة إلى هذه المواقع، إنها لا تجعلني أفضل بل تضيع وقتي، هناك الكثير من الأشخاص المزيفين الذي يختبئون خلف أجهزة الكمبيوتر ليجعلونك تشعر بالسوء، الأمر يصل أحيانًا إلى العنصرية والإساءة للعائلات".

    دومينيك كالفيرت لوين مهاجم إيفرتون الذي عانى من الاكتئاب في موسم 2021/2022 بسبب الإصابات والسخرية المنتشرة ضده، قال إن مجرد"الحديث" عن مشاكله أنقذ حياته وجعل نفسيته تتحسن، مطالبًا الجميع بعدم إخفاء مشاعرهم والتعبير بشجاعة عن معاناتهم النفسية بحثًا عن الحل.

    وفي النهاية هناك رسالة أخيرة إلى الجماهير، يمكنك التعبير عن رأيك بكل تأكيد تجاه أي لاعب وانتقاد مستواه بل المطالبة برحيله عن ناديك، لكنك لست بحاجة لإفساد حياته بالكامل لأنه لم يجعلك تشعر بالسعادة لمدة 90 دقيقة!

0