إرث مورينيو وكوارث ما بعد فيرجسون.. من أطلق النار على مانشستر يونايتد؟

بعد رحيل السير أليكس فيرجسون عن تدريب الفريق بعد رحلة ذهبية، طالبته الإدارة بوضع اسم لمدرب يراه أنه يمكنه تولي المسؤولية في الفترة التي تأتي بعده.

وكانت رؤية المدرب المخضرم التاريخي، هي جلب المدير الفني ديفيد مويس الذي كان يراه واعدًا ويمكنه مع الوقت التطور والتأثير على الفريق.

والمشكلة أن فترة مويس كانت ظالمة للمدرب نفسه، حيث أنه بالفعل استلم فريق حائز على بطولة الدوري، لكن عناصره لم تكن الأفضل في إنجلترا وقتها، فيمكن أن يُحقق بهم نجاح مع فيرجسون، الرجل الذي يصاحب النجاح كظله، لكن مع مدرب جديد وواعد، كان الأمر صعبًا.

جماهير اليونايتد لم تنتظر كثيرًا، وطالبت برحيله على الفور، وهو ما حدث، ليخرج مويس لرحلات تدريبية جديدة يعيد فيها اكتشاف نفسه بعد ظلمه، وبالفعل يشيد به الجميع الآن مع فريق وست هام.

تجربة أوضحت أن هناك خللًا عند الجماهير والإدارة، أولًا أنصار النادي الذي كانوا يريدون استمرار النجاحات الكبيرة حتى بعد رحيل السير بفترة زمنية قصيرة، وإدارة النادي التي لا ملامح للمعايير التي تختار بها المدرب، سوى توصية من فيرجسون.

بعد رحيل مويس في عام 2014، كان وقتها تقام بطولة كأس العالم بالبرازيل، وكان المنتخب الهولندي متألق للغاية بعد فوزه التاريخي على إسبانيا بخماسية، والوصول لنصف النهائي مع التدرج، حتى حسم المركز الثالث.

في ذلك الوقت اتفق مانشستر يونايتد مع مدرب الطواحين على تدريب الفريق الإنجليزي العريق، في صفقة انتظر البعض انفجارها، خاصةً وأن المهاجم الأسطوري فان بيرسي الذي تألق في المونديال مع فان خال سيتواجد معه من جديد في إنجلترا.

ولم تقف تلك الآمال عند هذه المعطيات، لكن إدارة الشياطين الحمر دخلت سوق الانتقالات بشراسة، وجلبت أسماء رنانة في عالم الكرة وقتها، مثل أنخيل دي ماريا وراداميل فالكاو، وباستيان شفاينشتايجر، ولاعبين واعدين كداني بليند وممفيس ديباي، وأنتوني مارسيال وغيرهم.

سوق وضح فيه أن النادي يحاول العودة سريعًا مع مدرب متألق وقتها ولاعبين جدد كلهم بارعون، لكن ما حدث كان العكس تمامًا.

فلم يحقق مانشستر يونايتد أي نجاح يذكر، سوى التواجد في المركز الرابع المؤهل لدوري الأبطال أول موسم له، والغياب عنه في الموسم الثاني.

تجربة كانت مخيبة جعلت هناك حالة ارتباك لدى مشجعي مانشستر، فبعد حل الأسباب التي جعلتهم يتراجعون، لم يأت جديد.

فترة جوزيه مورينيو مع مانشستر يونايتد كانت مثيرة للغاية، تقريبًا في كل أحداثها وقصصها التي كانت تملأ حديث الإعلام والصحافة بشكل مستمر حول تصريحات البرتغالي النارية، وخلافاته المستمرة مع لاعبيه.

البرتغالي جاء في عام 2016 بعد أن ترك تشيلسي ووصفه للاعبي البلوز أنهم "خانوا عمله" ليبدأ رحلة جديدة مع فريق كبير.

جماهير الشياطين الحمر كانت في أوج فرحتها، على الرغم من تحذيرات السير فيرجسون بأن جوزيه ليس الرجل المنشود.

موسم أول حقق فيه المخضرم بطولة الدوري الأوروبي وكأس الرابطة للأندية المحترفة والدرع الخيرية.

ومن بعدها وغاب مانشستر عن كرة القدم بشكل مفاجئ، ليمارس رياضة جديدة معظمها إما في التغطية الإعلامية لخلافات جوزيه وبوجبا، أو المؤتمرات الصحفية الساخنة التي يواجه من خلالها البرتغالي جماهير فريقه بحقيقتهم المرة.

جوزيه وصف تحقيق المركز الثاني مع الشياطين الحمر بأنه "أفضل إنجاز له مع الفريق" وتحدث عن قصة الإرث الكروي الشهيرة لمانشستر يونايتد، وبدا وأن الرجل يكره المكان الذي يعمل به، بل ويهاجمه بشدة.

فترة ربما هي الأسوأ للبرتغالي في مسيرته، وكذلك جمهور مانشستر بعد رحيل فيرجسون.

بعد رحيل مورينيو في عام 2018 في منتصف الموسم، طالب النادي لاعبه السابق أولي جونار سولشاير لتولي مهمة تدريب الفريق.

وبالفعل جاء سولشاير بابتسامته اللطيفة وشخصيته المحبوبة، ليتولى مسؤولية فريقه المحبب، الذي سجل له أغلى أهدافه على مر التاريخ في نهائي دوري الأبطال ضد بايرن ميونخ عام 1999.

المدرب النرويجي كان شخصًا رائعًا، لكنه مدير فني متواضع، وعلى الرغم من ذلك فارتفع معه أداء النادي بشكل ملحوظ، وعاد من جديد للتواجد في البطولة الأوروبية.

وبدا للإدارة والجماهير وأن كل شيء يسير على ما يرام، وبالفعل عقد النادي صفقات مدهشة في أول الموسم الحالي باستقطاب جادون سانشو من بوروسيا دورتموند، ورافاييل فاران من ريال مدريد، بجانب العودة الرومانسية لكريستيانو رونالدو من يوفنتوس.

وبالرغم من تواجد تلك الصفقات القوية التي بإمكانها أن تدعم الفريق، تأخرت وضعية النادي في صفوة الكبار، وتحول مانشستر من فريق ينافس على اللقب، إلى منظومة متهالكة تحاول التعايش فقط مع نفسها.

قدوم الألماني رالف رانجنيك بعد فشل سولشاير الرهيب أول الموسم، قوبل بحالة إيجابية لدى عشاق مانشستر يونايتد، لما لا والمدربين الألمان يثبتون نفسهم بجدارة على الساحة هذه الفترة.

لكن المشكلة أنه لا يٌعلم حتى الآن، من كان ينقذ من؟ فبالرغم من خبرة رالف المعروفة عنه في عالم التدريب، إلا أنه لم يؤثر بشكل إيجابي لا على المنظومة الفنية أو الذهنية للفريق، بل وجاء في عصره واحدة من أسوأ غرف خلع الملابس في تاريخ الشياطين الحمر.

فترة لا يأبه لها جماهير اليونايتد بشدة، لأنهم يعلمون أنه بنهاية الموسم سيغادر لتدريب النمسا مع تواجده في منصب المستشار الفني للفريق.

فيما سيتولى إريك تين هاج مسؤولية النادي، بتوصية من رالف نفسه، ليطرح تساؤل جديد، ما هو معيار الاختيار من الأساس؟

اختيارات النادي الإنجليزي للمدربين بعد رحيل السير كانت غير مفهومة من حيث التطبيق، فلا أحد يعلم لماذا يقع الاختيار على مدرب دفاعي ثم هجومي ثم شخص آخر يحب عملية الضغط العالي، ثم تنتهي القصة عند مدير فني مثل تين هاج يحبذ الاستحواذ.

مانشستر يونايتد فريق بلا هوية، فكلمة أن هوية الشياطين الحمر هي "الانتصار" غير منطقية، أولًا لأن الفريق لا ينتصر، ثانيًا لأن الفوز غاية وهدف لا هوية.

النادي الآن يدخل مرحلة جديدة مع مدرب جديد بأفكار ربما ستكون هي الأولى في تاريخ النادي ككل منذ بداية نشأته.

وربما بعد عام أو اثنين سنعلم ما إذا كان اختيار المدرب الهولندي سيكون بمثابة محاولة اكتشاف هوية للفريق يستطيع من خلالها ترسيخها والسير بها.

أم ستكون مجرد فترة عابرة مع مدرب جديد يستعملونه كتجربة جديدة، إن صابت فنحن من فكرنا فيها، وإن خابت فرالف رانجنيك رجل متواضع وسنقيله مع تين هاج.

دومًا ما تتحدث الصحف الإنجليزية والعالمية أيضًا عن صرف الأموال المهول لدى نادي مانشستر سيتي، وهي حقيقة بالفعل فالنادي السماوي يدخل كل سوق والكل يعلم أنه سينافس بشدة على أفضل الأسماء.

لكن هناك فريقًا آخر لديه قوة مالية جبارة، ويستطيع صرف الأموال بجنون في سوق الانتقالات يدعى مانشستر يونايتد.

نعم هي ليست مفاجأة على الإطلاق، لكن المفاجأة القادمة فعلًا، أن النادي العريق صرف أموال أقل بنسبة بسيطة للغاية من مانشستر سيتي منذ عام 2013، أي منذ رحيل السير فيرجسون.

حيث صرف فريق المدرب جوارديولا 1.3 مليار يورو، فيما أنفق اليونايتد 1.2 مليار يورو في نفس الفترة.

ومن حق أي فريق صرف الأموال على قدر استطاعته، طالما لا يخالف قوانين اللعب المالي النظيف، لكن الفكرة أن السيتي حقق نجاحات مدهشة في تلك الفترة، أما يونايتد فيحاول التواجد فقط ضمن الأربعة الكبار.

في كل فترات مانشستر يونايتد الناجحة كان هناك قائد مخضرم يحمل شارة الفريق في المباريات ويقوم بعمله القيادي داخل غرفة خلع الملابس.

وليس اليونايتد وحده من امتلك هذه السمة، فكل الفرق تقريبًا تحتاج هذا الشخص الكبير المسؤول لكي يساعد المدرب على السيطرة على الأمور الفنية والذهنية للنادي.

لكن بعد رحيل السير فيرجسون حتى الآن، لم يظهر في الفريق الإنجليزي من يتحمل هذه المسؤولية ويؤدي فيها بالفعل لا مجرد حامل للشارة فقط.

الأمر تدهور بالشياطين الحمر، حتى أن أصبح لاعب متواضع مثل هاري ماجواير هو قائد الفريق والمنوط بتلك الأعمال التي لا تتناسب أبدًا معه.

غياب القائد عن الفريق فتح أبواب كثيرة لوجود خلافات مستمرة داخل غرف خلع الملابس، وهو أمر طبيعي أن يختلف اللاعبون وتحدث مشاجرات كما يحدث في أي فريق ليس مانشستر فقط.

لكن المشاكل وصلت في النادي الإنجليزي لدرجة أن بعض اللاعبون طالبوا الإدارة الفنية بإبعاد هاري ماجواير عن المشاركة أساسيًا في تشكيلة الفريق، نظرًا لتواضع مستواه.

حدث غريب للغاية أن يطالب لاعبون بإبعاد قائدهم، ويعكس لك أهمية النقطة التي تحدثنا عنها من قبل، حول غياب القيادة عن الفريق.

التقارير الصحفية التي تخرج عن غرف ملابس النادي، تشير أن هذه الفترة هي الأسوأ في تاريخ مانشستر يونايتد من حيث الانضباط.

ماذا سيحدث إن علمت أن كريستيانو رونالدو يتقاضى راتب أسبوعي أكثر من جناح ليفربول وهداف الدوري محمد صلاح؟ ربما ستتقبل تلك المعلومة، فعلى الرغم من كبر سن الدون، إلا أن قيمته التاريخية ستجعله في صفوة الكبار دومًا.

لكن إذا علمت أيضًا أن جادون سانشو يتقاضى تقريبًا ضعف ما يتقاضاه صلاح؟ ربما ستصدم وقتها.

رواتب مانشستر يونايتد خيالية للغاية، حتى تجعلك تشك أن النادي يتفاوض من الأساس مع الوكلاء واللاعبين الجدد على تلك المسألة.

فلعل نقطة صلاح معروفة بعض الشيء، لكن ستندهش أكثر عند معرفة أن ماركوس راشفورد يتقاضى 200 ألف يورو أسبوعيًا، أي أنه ضعف ما يتقاضاه ساديو ماني (100 ألف).

ولو عقدنا المقارنات مع أندية أخرى ولاعبين آخرين، سنندهش جميعنا من كيفية إهدار موارد النادي على أسماء لا تشارك على مدار الموسم من الأساس.

وستبقى النقطة التي لم تحاول حتى إدارة النادي حلها، وهي الرواتب الضخمة التي يتلقاها بعض الأسماء المتواضعة عمومًا في كرة القدم.

مواسم متلاحقة قضاها مانشستر يونايتد وهو يبحث عن نفسه بالتواجد ضمن صفوة الكبار، فالفريق لا يحقق أي بطولات هامة لا محلية ولا أوروبية.

ويخرج من مشاكل، ليدخل في كوارث، حتى أن طموح المنافسة قد تغير، وبات الكل لدى الشياطين الحمر يبحث فقط عن التواجد.

مانشستر قد قتلوه بعد عدة مراحل، لعل أبرزها غباء الإدارة الرياضية وعدم معرفتها بمجريات اللعبة من الأساس.

واستعجال الجماهير على العودة، والذي ربما هو منطقي ومبرر، لكنه سام وضار للفريق.

المرحلة القادمة لا معالم لها، الفريق سيدخل في تجربة مع مدرب جديد بأفكار ستجرب لديهم لأول مرة، ربما ستكون طوق النجاة، أو النقطة الفاصلة التي ينتهي عندها شغف الأنصار في المتابعة من الأساس.