شهدت الأسابيع الأخيرة سخرية كبيرة من جماهير الكرة المصرية ممن لا يُشجعون النادي الأهلي من فشل تجديد عقد النجم أحمد فتحي واختياره الانتقال إلى بيراميدز، وقد وجد العديد منهم ما حدث فرصة للسخرية بشكل خاص من رئيس النادي محمود الخطيب.
الخطيب عادة لا يتدخل في المفاوضات الخاصة بسوق الانتقالات وتجديد العقد، إذ يقتصر دوره على التدخل في الصفقات الكبرى وعند اللحظات الصعبة، ويُقال منذ سنوات طويلة أن اتصالًا هاتفيًا واحدًا منه كان يكفي لحسم الأمور وإزالة أي عقبات في المفاوضات.
تعبير يُطلق عليه "مكالمة الخطيب" كان يُستخدم لاختصار دور أسطورة كرة القدم المصرية في حسم المفاوضات لصالح الأهلي مع أي لاعب، سواء كان سينضم للفريق أو سيُجدد عقده معه، ذلك التعبير يؤمن به جمهور الأحمر كثيرًا ويقدرونه كثيرًا لكنه في المقابل يُوصف من الآخرين بأنه مجرد كذبة تاريخية.
"مكالمة الخطيب" باعتقادي ليست كذبة وتأثير رئيس النادي على اللاعبين موجود بالفعل، وما يؤكد هذا أن المصدر الأهم والأقوى للحديث عن ذلك لم يكن الخطيب أو النادي الأهلي ورجاله بل اللاعبون أنفسهم.
إذ سمعنا خلال السنوات الماضية الكثير من اللاعبين يتحدثون عن دور الخطيب في إنهاء المفاوضات معهم بنجاح لصالح الأهلي، قائلين بالنص "تحدث معي الكابتن محمود الخطيب ولم أستطع الحديث هنا، وافقت على الفور".
هذا التأثير من جانب أحد رموز الأهلي وكرة القدم المصرية ليس "اختراعًا أهلاويًا" بل هو حقيقي وملموس وموجود في العالم أجمع، ومن أسرار قوة الأندية العملاقة امتلاكها لرموز كبار ونجوم لهم تأثيرهم على الآخرين وضمنهم اللاعبين بالطبع.
ونسمع حاليًا الكثير من اللاعبين العالميين يقولون أن وجود بيب جوارديولا مثلًا في مانشستر سيتي يُشجعهم للالتحاق بصفوف الفريق لأن العمل تحت قيادته حلم لهم، فيما يرى البعض أن اللعب بجانب ليونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو سيُضيف لهم الكثير ولذا هم جاهزون للتضحية ببعض المال لتحقيق هذا الهدف.
وقد حُسمت الكثير من الصفقات القوية في كرة القدم بالفعل بفضل تدخل أشخاص محددين سواء كانوا مدربين أو مسؤولين لهم ثقلهم وتاريخهم، مثلما فعل باولو مالديني حين جلس مع ثيو هيرنانيدز ونجح في إقناعه بارتداء قميص ميلان الصيف الماضي.
إذًا هذا التأثير موجود وقوي وليس مرتبطًا بالأهلي ومحمود الخطيب فقط، وقد كان حاسمًا بالفعل في عديد الصفقات التي شهدت منافسة شرسة مع الزمالك أو غيره من الأندية أو في تجديد عقود بعض اللاعبين مثل محمد بركات ومحمد أبو تريكة ووليد سليمان.
وهذا الأمر لا يتعارض أبدًا بحقيقة أخرى وهي تراجع هذا التأثير حاليًا ولعدة أسباب، أبرزها سطوة الجانب المالي على المفاوضات بين اللاعبين والأندية، إذ أصبحت لغة الأرقام هي السائدة والتي تتفوق في قوتها على جميع الأسلحة التفاوضية الأخرى.
وهذا الأمر غير مرتبط بكرة القدم فقط بل هو ثقافة وعقلية المجتمع بشكل عام، إذ أصبح التقدير للمال والأرقام هو الأكبر والأهم من أي معايير أخرى، وليس هناك دليلًا أقوى من تفضيل عديد النجوم الانتقال للأندية الغنية حاليًا على أندية عريقة وتاريخية، واتجاه بعض النجوم الكبار للعب في الصين مثلًا بدلًا من البقاء في أوروبا وتحقيق النجاح الرياضي.
سبب آخر هو تتابع الأجيال، إذ أن قيمة أسطورة السبعينات والثمانينات "محمود الخطيب" ستكون كبيرة جدًا لدى الأجيال التي تابعته وعاشت معه ورأته يلعب كرة القدم، والأمر سيختلف بالتأكيد مع الأجيال التالية التي مجرد سمعت عنه أو شاهدت له بعض الأهداف والمقاطع عبر اليوتيوب.
وهذا أيضًا ليس خاصًا بالأهلي والخطيب فقط، إذ كان اللعب للميلان حلم اللاعبين مواليد سبعينات وثمانينات القرن الماضي، لأنهم عاشوا مع الجيل الذهبي الذي أمتع أوروبا وسيطر عليها، لكن الوضع اختلف الآن وأصبح مثلًا اللعب بقميص برشلونة أو ريال مدريد هو حلم الأجيال الحديثة، ومحليًا سنجد اسمًا مثل محمد أبو تريكة قادرًا على التأثير في الأجيال الحالية وقد يكون له دورًا حاسمًا في سوق انتقالات الأهلي مستقبلًا.
خلاصة الأمر أن "مكالمة الخطيب" التي تُعبر عن دور وتأثير النجوم الأسطوري في مفاوضات سوق الانتقالات وتجديد العقود هي حقيقة موجود بالفعل وكان لها تأثيرها الكبير والواضح سابقًا، لكن الوضع اختلف الآن وتراجع تأثير ذلك الدور لعوامل عديدة أبرزها عقلية المجتمع وثقافته التي باتت تُفضل الأرقام على أي عوامل أخرى.


