أثارت صفقة انتقال ديوجو جوتا إلى ليفربول من وولفرهامبتون أسئلة كثيرة حول ماهية عمل سوق الانتقالات في هذه الأيام، فرغم أن المُعلن أن ثمن الصفقة هو 40 مليون جنيه استرليني، إلا أن ما دفعته إدارة الريدز هذا الصيف لنظيرتها في الوولفز لم يتجاوز حاجز العشرة ملايين فقط.
البعض ذهب إلى الحديث أن الأمر برمته يعود إلى فيروس كورونا، حيث تحاول الأندية الاستفادة المادية قدر المستطاع وذلك من خلال صفقات تكون بالتقسيط بدلًا من المبالغة في ثمن اللاعبين وعدم القدرة على بيعهم، لكن أرض الواقع تقول فرضية أخرى تتعلق في المقام الأول بطبيعة الاقتصاد الكروي بغض النظر عن الكورونا.
الصفقات القائمة على التقسيط هي ربما الطريقة المُعتمدة في أغلب أوقات سوق الانتقالات على مدار آخر 5 سنوات، وليست مجرد وليدة صفقة جوتا أو توابع كورونا الاقتصادية، بل إنها منهجًا سارت عليه الأندية لمواجهة الصعوبات الاقتصادية وعدم وجود السيولة اللازمة.
الحسابات الاقتصادية المعقدة بعض الشيء تُظهر أن للتقسيط فوائد على ورق الأندية على وجه الخصوص، فهو يوفر أموالًا ويجني من خلفه النادي ربحًا طائلًا تحت مسمى "الربح الدفتري"، الذي تظهر فيه الأرقام بصورة مختلفة عن التي تظهر بها في أي مكان آخر.
فشلت في تشيلسي فكررها برشلونة - تجربة بارتوميو تقتل لا ماسيا
التقسيط وارتباطه بـ"القيمة الدفترية"
Getty Imagesالمثال الذي يُمكن أن يوضح معنى التقسيط وربحه الدفتري هو صفقة انتقال نيكولاس بيبي من ليل إلى آرسنال، حيث تبلغ القيمة الإجمالية للصفقة 72 مليون جنيه استرليني، بينما ما دفعته إدارة الجانرز الصيف الماضي فعليًا مجرد 14.4 مليون جنيه استرليني.
الاتفاق بين الإداراتين الإنجليزية والفرنسية في ذلك التوقيت كان على تقسيم المبلغ على مدة عقد بيبي في آرسنال (5 سنوات) بحيث يدفع النادي اللندني 14.4 مليون جنيه استرليني سنويًا.
من جهة أخرى، تنخفض القيمة الدفترية للصفقة بمعدل 14.4 مليون جنيه استرليني سنويًا، وبعد ثلاث سنوات تنخفض قيمة اللاعب في الحسابات من 43 مليون لتصبح 29 مليون فقط.
هنا إذا باع آرسنال بيبي بـ100 مليون جنيه استرليني، فإنه من الناحية النظرية سيكون قد ربح 57 مليون جنيه استرليني، لكن من ناحية الحسابات سيكون قد ربح 71 مليون (100 مليون مطروحًا منها القيمة الدفترية البالغة 29 مليون).
بهذه الحسبة الاقتصادية المعقدة بعض الشيء والتي تعتمد في المقام الأول على التعامل مع اللاعب كأصل، يظهر أن الأندية تجني ربحًا من ناحية الحسابات والميزانيات جراء إبرام الصفقات بنظام التقسيط بين إداراتين، وعلى نفس منوال صفقة بيبي تسير أغلب الصفقات هذه الأيام.
نوع آخر
Getty Imagesهناك نوع آخر يبدو مختلفًا بعض الشيء، وهو أن يقوم النادي المعني بشراء لاعب اعتمادًا على قرض من بنك، هنا العملية من كافة النواحي تكون قيمتها الفعلية أكبر ولكنها تمنح وقتًا طويلًا للنادي لتسديد المبلغ.
المثال الصارخ على ذلك صفقة انتقال أنطوان جريزمان إلى برشلونة، النادي الكتالوني اقترض القيمة 125 مليون يورو وذهب بها نقدًا إلى الاتحاد الإسباني ودفعها كقيمة الشرط الجزائي في عقد الفرنسي مع أتلتيكو مدريد وتحصل على خدماته.
لكن هذا النوع وإن كان فيه بعض المجازفة خصوصًا وأن الاقتصاد غير مضمون والأزمات دائمًا ما تظهر على المدى الطويل، يعتمد على الفائدة وقيمتها، ويعتمد على الموقف الاقتصادي للنادي نفسه، فلا يعقل أن يمنح البنك أمواله لنادٍ يُعاني أو لا يمتلك أصولًا تضمن له استرداد أمواله في أسوأ الأحوال.
ووجبت الإشارة هنا إلى أن ما يُحسب لمسؤولي ليفربول أنهم أقنعوا نظرائهم في وولفرهامبتون بدفع القسط الأول بقيمة قليلة تماشيًا مع أزمة كورونا، فيظل الاتفاق هو الوسيلة الوحيدة لتحديد الأقساط ولا توجد قاعدة قانوينة ثابتة لحسابها.
ليفربول كان من الممكن أن يُقنع لايبزيج مثلًا بشراء تيمو فيرنر بنفس الطريقة، بالتقسيط أو اعتمادًا على قرض، لكنه فضّل أن يفعل ذلك مع ديوجو جوتا، ليؤكد أن قرار يورجن كلوب كان رياضيًا في المقام الأول لا اقتصاديًا كما ادّعى البعض.
خلاصة القول أن نظام التقسيط هو نظام تتبعه أغلب الأندية لمواجهة ارتفاع الأسعار وعدم وجود السيولة، من جهة يوفر لها حلًا فوريًا على الصعيد الرياضي، ومن جهة أخرى يوفر لها ربحًا حسابيًا هامًا في أوراق الميزانية ولتخطي أي عقبات، لذلك فإن صفقة جوتا إلى ليفربول ليست الأولى وبالطبع لن تكون الأخيرة، سواءً بالاعتماد على أموال من أرباح النادي أو من قروض بها بعض الخطورة.
