هناك من يعشق أن يعيش بدور الضحية، المظلوم الذي جنى عليه غيره، فأضاع مستقبله، لكن المشكلة تمكن في طريقة نظرتك للأمر، إما أن تقيم الأزمة بشكل كامل وموضوعي أو أن تقرر أن تقص منها ما ينصفك فقط وتكيل الاتهامات للغير، وفي الأخير الحقيقة ستنكشف، شئت أم أبيت..
اتهامات توجه لمجلس إدارة الأهلي الأسبق برئاسة المايسترو الراحل صالح سليم، على مدار سنوات بالغدر بلاعب مصاب لا حيلة له ولا مال، طلب المساعدة ولم يجد العون، إنه جمال عبد الحميد، من يردد باستمرار قصة مر عليها أكثر من 30عامًا، لإثبات تدني المعاملة التي تلقاها داخل أسوار القلعة الحمراء، بعدما تعرض لإصابة قوية، لكن للقصة وجهان نعرضهما عليكم في السطور التالية والعهدة على الراوي..

يقول جمال عبد الحميد: "في العاشر من أكتوبر عام 1982 وخلال إحدى الحصص التدريبية، أرسل مصطفى عبده عرضية لي، وأثناء محاولتي تسجيل هدف على الطائر، تدخل الحارس إكرامي الوحش تدخلًا عنيفًا على قدمي دون قصد منه، فتعرضت لكسر مضاعف في قصبة الرجل اليسرى، نُقلت إلى المستشفى على الفور وتم إجراء عملية سريعًا وتم تثبيت مسامير برجلي، وعندما سأل مسؤولو الأهلي الطبيب المعالج لي عن فترة الغياب وأخبرهم أنها تسعة أشهر، استغنوا عني".
لم يكن الأمر مجرد استغناء من الأهلي على لاعب، إنما زعم عبد الحميد أنه كذلك لم يحصل على مستحقاته ولم يتكفل مسؤولو القلعة الحمراء بعلاجه: "جلست سنة كاملة أتكئ على عكاز، وكنت أمتلك سيارة قمت ببيعها، وكنت أساعد والدي في تجهيز إخوتي البنات ولم أعد أفعل، توقف كل شيء، حتى أن الأهلي أوقف راتبي وأضاع مستقبلي.
"قررت الذهاب لمقر النادي وبالفعل حجزت تذكرة درجة ثانية في أتوبيس، وجلست مع مدير الكرة آنذاك والذي لا أريد أن أذكر اسمه، وطلب منه الحصول على مبلغ مالي حتى أخلع المسامير من قدمي، لكنني فؤجئت برده أن الأهلي استغنى عني، قلت له لكنني أُصبت هنا، فقال موافقون على التكفل بعلاجك، إنما بشرط أن تعتزل ووقتها سنقيم لك مهرجان اعتزال ونمنحك مستحقاتك بعد يومين، بعدها لم استطع الرد عليه، فقد قتلني برده، وغادرت النادي".
اقرأ أيضًا: حسام عاشور - اعتزال "المسمار" بين الحقيقة والخيال

تفاصيل أظهر بها جمال عبد الحميد - الذي انتقل بعد ذلك للزمالك بوساطة أحد زملائه هناك بعدما رفضه الإسماعيلي والترسانة وعديد الأندية ليبدأ مسيرة ناجحة - أظهر بتفاصيله هذه الوجه الأسوأ لمجلس إدارة في العالم، لكنه تناسى أن هناك تفاصيل جديدة ستكشف عنها الأيام، وبالفعل أوضح الحقيقة شريكه في واقعة أخلاقية..
محمد عباس؛ لاعب الأهلي في الثمانينات، قال خلال حوار سابق له مع صحيفة "الوطن" المصرية: "في موسم 1981، قرر محمود الخطيب اصطحابي أنا وجمال عبد الحميد للخلود للنوم في منزله ليلة مواجهة المنصورة، من أجل مزيد من التركيز لنا، لكن فور أن خلد هو للنوم ولأن نومه ثقيل، تسللت أنا وعبد الحميد وخرجنا من المنزل للسهر في إحدى الملاهي الليلية أمام النادي الأهلي، وعند الساعة العاشرة مساءً تركني عبد الحميد وذهب لمقابلة أحد أصدقائه في الجيزة، لكن لسوء حظه التقطت له صورة رفقة إحدى الفتيات ووصلت لمجلس الإدارة، وقتها تم تغريمه ماليًا وصدور قرار الاستغناء عنه عبر منشور ورقي أمام الجميع".
هذه التفاصيل التي قصها عباس وقعت قبل الإصابة القاسية لجمال عبد الحميد، فقد كان قرارًا معد مسبقًا، ولم يحدث للتهرب من مصاريف علاجه كما زعم.

ويزيدنا عدلي القيعي؛ مدير التعاقدات الأسبق بالأهلي، مزيدًا من التفاصيل التي تؤيد رواية عباس، حيث قال: "قبل إصابة جمال عبد الحميد، تعرض طه إسماعيل لنفس الإصابة وتكفل الأهلي بعلاجه، وكذلك تكفل بعلاج لاعبه المعار حسين أمين رغم أنه لم يصب بالأهلي والأمر نفسه حدث مع إسحاق أول وجيلبرتو، بجانب أن هناك مستندات تثبت حصول عبد الحميد على كافة مستحقاته.
"أما بالنسبة لسبب الرحيل فمدير الكرة وقتها قرر الاستغناء عن جمال، بسبب سلوكياته، لكن مدير الكرة المساعد طلب منحه فرصة كونه لاعبًا جيدًا ووضع تصرفاته تحت الملاحظة لفترة".
القيعي تابع: "بعد أن أصيب جمال، نُقل إلى المستشفى وطلبت والدته المكوث معه، وبالفعل حجز لها مجلس الأهلي جناحًا بالمستشفى، وهذا طبيعي وليس منه من النادي على اللاعب، بل أن مجلس الإدارة منحه حقوقه كلاعب أساسي، فحصل على المكافآت وكأنه غير مصابًا، حتى أنه حصل على مكافأة قدرها 12600 جنيه بعد حصول الفريق على بطولة إفريقيا لأول مرة في تاريخه، رغم أنه كان مصابًا آنذاك".
هناك نقطة فاصلة تسببت في اتخاذ مجلس القلعة الحمراء لقرار الاستغناء عن اللاعب نهائيًا، وهو ما لم يذكره نجم الزمالك الأسبق في أي من تصريحاته..
القيعي واصل: "الطبيب المعالج لعبد الحميد وقتها أكد أن العلاج يحتاج لشهر ونصف، لكنه غاب لأشهر، كونه لم يكن ملتزمًا بالبرنامج المحدد له، فقرر محمود الجوهري؛ المدير الفني للمارد الأحمر آنذاك، استبعاده من معسكر الإعداد بألمانيا، وبعد أن عاد الفريق من الخارج، اجتمع مدير الكرة بجمال وأطلعه على التقارير السلوكية التي تدينه وطلب منه التعهد بالانتظام في المران والاستمرار بالأهلي، لكنه لم يحدث، بل أنه جلس واتفق مع مسؤولي الزمالك قبلها، ليقرر بعدها الأهلي الاستغناء عنه".
قصة تُحكى على مر السنوات بالتفاصيل نفسها، لكن كشف لها عباس والقيعي جانبًا آخر، ليُسدل الستار على الاستغناء الأغرب في تاريخ الكرة المصرية.


