"لا أتوقع أن يكون هناك لقب أصعب من هذا" .. هذا ما قاله سلمان الفرج نجم وقائد الهلال يوم أمس عقب التتويج رسميًا بلقب الدوري السعودي لموسم 2021-2022، وقد صدق تمامًا كما ظهر من مشوار الفريق في البطولة.
الهلال حسم الصراع الشرس مع الاتحاد لصالحه بعدما عاد من الخلف وقلص فارق الـ16 نقطة ليُنهي الموسم متقدمًا بفارق نقطتين، وقد كانت لتلك الريمونتادا المذهلة ملامح واضحة وبارزة نستعرضها معًا ..
انشغال قاري وخيار خاطئ
أنهى الهلال النصف الأول من الدوري السعودي في المركز الرابع بـ27 نقطة، الفارق مع الاتحاد في الصدارة كان مجرد 5 نقاط لكن النقاط المهدرة كانت 18 وهو عدد كبير جدًا.
الهلال فاز في 7 مباريات وتعادل في 6 وخسر مرتين، وتلك كانت حصيلة سلبية للغاية اقترنت بأداء بعيد جدًا عن المعتاد من حامل اللقب، خاصة على الصعيد التكتيكي والجماعي، إذ لعبت القدرات الفردية دورًا مهمًا في حصد النقاط.
تلك النتائج كان خلفها سببين، الأول انشغال الفريق بدوري أبطال آسيا والذي تُوج به بالفعل، حيث نالت البطولة القارية الكثير من تركيز اللاعبين وجهدهم البدني والفني، وهو ما أثر على أدائهم في الدوري السعودي، خاصة في ظل توجه الإعلام والجمهور الشديد نحو دوري الأبطال بهدف العودة للعالمية والتأهل لكأس العالم للأندية.
السبب الثاني كان قرار الإدارة الخاطئ بالتعاقد مع المدرب الكبير ليوناردو جارديم، والذي يلعب بأسلوب لعب وأفكار فنية وتكتيكية لا تُناسب الهلال أبدًا ولا تُخرج أفضل ما لدى لاعبيه.
جارديم كانت له عدة أخطاء فنية مع الهلال، لكن الأخطر أن هوية الفريق تاهت وشُوهت معه، إذ أصبح فريقًا يلعب على التمريرات العرضية بطريقة مبالغ بها ويجد صعوبة كبيرة في اختراق دفاع الفرق الصغيرة المتكتلة ودائم الشكوى من طريقة لعبها، كما يُضرب بسهولة في الهجمات المرتدة من الخصوم.
هذا بجانب أخطاء أخرى أبرزها اللعب بطريقة 4-4-2 والاعتماد على الأداء الدفاعي والتحولات الهجومية والهجمات المرتدة وهو أسلوب لا يُناسب هوية الهلال المعتاد على الاستحواذ والسيطرة كما أكد سلمان الفرج في تصريحاته أمس، بجانب توظيف بعض اللاعبين بشكل خاطئ مما أرهقهم وقلل من مردودهم.
قرارات جريئة
الهلال سقط أمام الأهلي المصري في مونديال الأندية 4-0، وهنا انتهى صبر الإدارة وأقالت جارديم في قرار جريء ومهم، والقرار الأجرأ كان إعادة رامون دياز لقيادة الفريق.
دياز لم يفعل الكثير فنيًا، لم يخترع أفكار جديدة أو يُقدم حلولًا مبتكرة، لكنه فعل المطلوب تمامًا .. عاد لطريقة اللعب المناسبة ووظف اللاعبين بالشكل الذي يُخرج أفضل ما لديهم، والأهم أنه أعاد وحدة المجموعة وسيطر على غرفة الملابس وأحيا الحماس والدوافع من جديد.
تعامل المدرب الأرجنتيني على المستوى النفسي والذهني مع لاعبي الهلال كان له أكبر الأثر، لأنه خلصهم من آثار "عصر جارديم" وقادهم لرد فعل قوي وممتاز بعد الخسارة المؤلمة أمام الأهلي، وقد استفاد المدرب جيدًا من فترات التوقف الطويلة ونجح في إدارة الفريق وتدوير لاعبيه مما جعلنا لا نشعر بأي نقص أو غياب لأحد نجومه.
Goal ARدياز حقق 6 انتصارات متتالية 4 منها كانت على الأربعة الكبار في الدوري السعودي، ومن ثم أضاف لهم 4 انتصارات في دوري أبطال آسيا ضمن بها تأهله من دور المجموعات ثم تعادل في مباراة وخسر الأخيرة وكانتا هامشيتين.
حصيلة دياز مع الهلال في الدوري السعودي كانت 13 مباراة شهدت 12 انتصارًا وخسارة وحيدة كانت أمام الفيحاء، كما وصل نهائي كأس الملك وخسره أمام الفيحاء كذلك.
يناير السعادة
لا أعتقد أنني رأيت فريقًا استفاد من سوق الانتقالات الشتوي كما فعل الهلال هذا الموسم، إذ أكاد أجزم أن تحركات الإدارة في يناير لعبت الدور الأهم والأكبر في التتويج باللقب الثمين.
الهلال أضاف قطعتين ذهبيتين لفريقه المرصع بالنجوم في يناير، وهما البرازيلي ميشايل والنيجيري أوديون إيجالو .. الأول كان رجل الحسم في الجولات الأخيرة فيما الثاني كان المهاجم الذي نقل هجوم الهلال لمستوى آخر تمامًا، والذي ساعد بأهدافه الصعبة الفريق ودياز على المرور من "مطبات" صعبة جدًا.
Goal ARلم تكتف إدارة فهد بن نافل بذلك، بل امتد ذراعها المحلي ليخطف ثنائي الاتحاد منافسه المباشر، سعود عبد الحميد وعبد الإله المالكي، وحارس مرمى الأهلي، محمد العويس، بجانب عبد الرحمن العبيد بعد فسخ عقده من النصر ... صفقات ذهبية منحت الفريق قوة إضافية وعمقًا مهم في دكة البدلاء.
صحيح أن المالكي لم يلعب لكن حرمان الاتحاد منه وزميله عبد الحميد كان ضربة قاصمة للعميد، وأعتقد أن إدارة أنمار الحائلي تعض أصابع الندم حاليًا على السماح للاعبين بالرحيل في منتصف الموسم وعدم الإصرار على بقائهما حتى نهاية عقديهما.
يناير السعادة في الهلال اقترن بيناير الأسود في الاتحاد .. منافس الهلال على اللقب فقد الكثير من قوته في سوق الانتقالات الشتوي، حيث رحل عنه عبد الحميد والمالكي وكريم الأحمدي للإصابة، ولم يستطع تعويضهم أبدًا، وحتى النجم الذي أضافه "عبد الرزاق حمدالله" كان نقطة قوة في البداية لكنه تحول لنقطة ضعف فيما بعد.
شخصية بطل ونجوم حاضرون
الجوانب الفنية مهمة في كرة القدم، لكن شخصية الفريق وعقلية اللاعبين ودوافعهم وحماسهم له وزن من ذهب يستطيع قلب كل المعايير الفنية .. شخصية الهلال ونجومه كانت حاضرة بقوة في الأمتار الأخيرة من السباق مع الاتحاد.
الهلال تعرض لصعوبات بالغة خلال مشواره في الدوري، مثل خسارة أول أمل لتقليص النقاط، المؤجلة أمام الفيحاء، ثم ضياع الكأس أمام نفس الفريق، وكذلك الإصابات والغيابات العديدة، لكن دومًا كان رد فعله قويًا وحاضرًا وإيجابيًا.
لم يتأثر اللاعبون بالإعلام المحبط الذي احتفل بتتويج الاتحاد قبل النهاية بعدة جولات، لم يهتم بالكلام عن التغييرات الكبيرة الموسم القادم والفشل الذريع رغم الفوز بآسيا، لم ينتبه للسخرية من سقوطه أمام الأهلي أم الفيحاء ... بل على العكس، كل تلك المواقف زادته قوة ودوافعًا وأشعلت حماسه ليعود وينتزع اللقب من بين مخالب النمر الاتحادي.
هذا الأمر نراه الشكل المعاكس في المنافس الاتحاد، إذ ظهر جليًا أن الفريق لم يستطع تحمل ضغوطات الجولات الأخيرة وخاصة الخسارة أمام الهلال، وربما هذا منطقي نظرًا لأن جل اللاعبين يختبرون ذلك الموقف، المنافسة على اللقب، لأول مرة في تاريخهم.
الشخصية والخبرة والعقلية خذلت الاتحاد في المراحل الأخيرة من الدوري، وقد جاءت قضية حمدالله لتزيد الطين بلة، ولسوء حظهم أن منافسهم لا يرحم أبدًا ولا يُقدم أي فرص أخرى.
قضية خاسرة
توقف الدوري السعودي خلال إبريل الماضي لانشغال الهلال والفيصلي والتعاون والشباب بدوري أبطال آسيا، وفي منتصفه تقريبًا ظهرت للعلن قضية التسريبات الصوتية التي جمعت حمدالله مع حامد البلوي المدير التنفيذي للاتحاد.
لم تصدر القرارات النهائية بعد لتلك القضية، لكنها تُعد قضية خاسرة بالتأكيد للاتحاد لأنها لعبت دورًا حيويًا في خسارته للدوري السعودي، إذ أخرجت الفريق من الملعب وشتتت تركيزه وهذا بدا واضحًا خلال المباريات الأخيرة، وإن كان أيضًا قد ساهم في ذلك كثرة توقفات الدوري وقلة خبرة اللاعبين في المنافسة.
القضية أثرت أيضًا على حمدالله وأخرجته من الملعب تمامًا، حتى أنه أهدر فرصًا لم يكن من الممكن للاعب بقدراته الفنية الفذة أن يُهدرها، خاصة أمام الهلال والطائي حيث خسر فريقه 6 نقاط.
لولا تلك النقاط التي أهدرها الاتحاد لما استطاع الهلال أبدًا أن يُتوج باللقب حتى لو فاز في جميع مبارياته تحت قيادة دياز، لأن مصير اللقب كان بيد العميد إلا أنه تخلى عنه ونقله للزعيم الذي لم يُفرط به أبدًا.




