العظمة لا تصنع في يوم، والوصول للقمة يحتاج إلى الكثير من الوقت والمجهود والعمل الجاد، والأهم الدعم.
حكاية اليوم هي حكاية لاعب كادت أن تتدمر مسيرته بسبب فترة عصيبة انهار فيها نفسيًا لكن عاد بعدها ليبهر العالم، وآخر سقط بالفعل لكن لم يساعده أحد – ولم يساعد نفسه – ليعود إلى ما كان عليه!
تيبو كورتوا وجوردي ألبا، قد لا يبدو هناك أي روابط بينهما، فالحارس البلجيكي يعيش أمجد أيامه بينما الظهير الأيسر الكتالوني من المغضوب عليهم من جماهير برشلونة ويرغبون في رحيله اليوم قبل غد، لكن هناك قصة تربط بينهما وتثبت أنّ تطوير اللاعبين نفسيًا وعدم تجاهل العوامل الإنسانية أهم بكثير من عقد جيد وراتب مرتفع!
من رحم الألم يولد الأمل، ولكنّه لا يولد دون دعم وخطة ومحاولات للإصلاح، ولذلك وصل كورتوا للقمة وانهارت الثقة في ألبا.
دعونا نأخذكم إلى الماضي قليلًا لنكشف عن كيف تبني لاعبًا وتدمر آخر.
اللحظة الأضعف
GettyImageوصل تيبو كورتوا إلى ريال مدريد في صيف 2018، حيث كان الفريق بطلًا لدوري أبطال أوروبا لثلاث سنوات على التوالي ليحقق إنجازًا تاريخيًا.
وبمجرد مشاركة تيبو كورتوا في موسمه الأول، وارتكابه العديد من الأخطاء واستقباله الأهداف بالجملة تصاعدت موجة الانتقاد ضده، حتى أنّ البعض طالب بإشراك كيلور نافاس أساسيًا، وهو ما لم يحدث.
انتهى الموسم بصورة كارثية لريال مدريد، وخسر كل شيء في أسبوع واحد في شهر مارس، ووضعت صورة كورتوا ضمن الأسوأ في الموسم للنادي الملكي، ثم بدأ الموسم التالي واستمرت هفوات البلجيكي ومعها تجددت الانتقادات.
حتى جاء يوم 1 أكتوبر 2019، حينما واجه ريال مدريد نظيره كلوب بروج في الجولة الثانية من دور المجموعات في دوري أبطال أوروبا، ليتلقى كورتوا هدفين في الشوط الأول وتصل حصيلة الأهداف المسجلة عليه 5 في مباراتين فقط.
كانت هذه اللحظة الأضعف، سقط كورتوا بين الشوطين وانهار في غرفة الملابس وشعر بالإعياء الشديد بعد أن خذل كل جماهير الملكي، لدرجة اضطرار زين الدين زيدان لاستبداله وإشراك ألفونس أريولا.
Gettyقبل هذا التاريخ، وفي 8 مايو 2019 كان هناك لاعبًا آخر يمر بأسوأ فتراته النفسية – رغم تألقه فنيًا – وهو جوردي ألبا الذي لم يتحمل تأخر برشلونة بهدف أمام ليفربول في الشوط الأول في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لينهار باكيًا في غرفة خلع الملابس.
لكن إرنستو فالفيردي لم يفكر في استبداله وقتها، ليستمر حتى يرى برشلونة يخسر برباعية ويودع البطولة بسيناريو درامي آخر.
العودة من الرماد
Getty/GOALماذا حدث في مدريد بعد انهيار كورتوا؟
أسرعت الصحف لنشر كواليس ما حدث في غرفة الملابس وانهيار البلجيكي، لكن زيدان نفى أن يكون هناك أي أزمة نفسية يمر بها اللاعب، وسارع صحفيون محسوبون على ريال مدريد للتأكيد أنّ الحارس شعر فقط ببعض التعب.
كورتوا بدأ يبحث عن طرق تجاوز الأزمة، ذهب إلى طبيب نفسي دون أن يعلم أحد، وخرج بعد عدة أيام في حوار ليؤكد أنّه الأفضل في العالم، في تصريحات اعتبرها البعض وقتها مادة للسخرية، لكنّه فقط كان يحاول إثبات ذلك لنفسه وليس للآخرين.
كورتوا حصل على كل الدعم من الإدارة، وظهر ذلك حتى في الصحافة التي بحثت عن كل فرصة لتشيد به، ليستعيد البلجيكي عافيته ويتجاوز الأزمة سريعًا ثم تدريجيًا وصل إلى أنّ يكون العامل الأهم في فوز ريال مدريد بدوري 2019-2020 ثم ثنائية الموسم الحالي في الدوري والأبطال، وأبدع بشكل لا يضاهيه إبداع في المباراة النهائية ضد ليفربول.
على الجهة الأخرى، لم يعرف أحد ببكاء ألبا بين الشوطين سوى بعد عدة أشهر حينما صدر الوثائقي الخاص ببرشلونة بعنوان "يوم المباراة" والذي قاطعه اللاعبون بشكل غير مفهوم في البداية.
لكن حينما تشاهد الوثائقي، تجد مشهد بكاء ألبا يظهر ليعرف الجميع أن اللاعب انهار بين الشوطين، بل ويستعيد اللاعب الذكرى السيئة من جديد، ثم تبدأ حملات الهجوم عليه.
إدارة برشلونة لم تدخر جهدًا في تشويه صورة ألبا وغيره من اللاعبين، بل وثّقت الأمر بالصوت والصورة حتى لا يصبح هناك أي جدل حول حدوث الواقعة.
فحتى انهيار كورتوا لم يكن أكيدًا، ولم يتم الحديث عنه بتفاصيل سوى بعد عودة الحارس لقمته، في إشارة فقط إلى رحلة عظيمة من القاع إلى القمة.
الاستثمار في البشر
ربما لا يسعد المقال جماهير برشلونة قبل ريال مدريد، ويرفضون حتى الحديث عن أنّ ألبا إنسان وله مشاعر ويمكن التعامل معه نفسيًا، ربما لأنّ الحديث عن إنسانية اللاعبين أمر منبوذ ومرفوض.
لكن ما فعلته الإدارة مع ألبا هو قمة الفشل، ففي هذه الحالة هناك خيارين لا ثالث لهما، إما بفقدان الأمل في اللاعب وبالتالي بيعه أو على الأقل جلب ظهير أيسر قوي يشارك أساسيًا على حسابه، أو محاولة تأهيله نفسيًا لتجاوز الصدمة ومنحه الثقة للاستمرار ودعمه للعودة إلى القمة.
ولكن الذي حدث كان الخيار الأسوأ، فلم يرحل ألبا ولم ينضم بديلًا قادر على خطف منه مركزه، كما أنّ الإدارة نفسها هي من نشرت لحظات انهياره النفسي لتسبب له مزيدًا من المتاعب ويصبح يوم 8 مايو 2019 والسقوط في أنفيلد مرتبطًا ببكاء اللاعب.
لم يتم منحه الثقة ولم يتم التخلي عنه، والمحصلة أنّ ألبا مهما قدم من مستويات جيدة في الموسم، فدائمًا يُتوقع سقوطه في مباراة كبيرة ومؤثرة وفشله في التعامل مع الضغوطات.
Getty Imagesصراحة، أعطت إدارة ريال مدريد درسًا في منح الثقة للاعبين ودعمهم طالما يرتدون قميص ريال مدريد، والأمر هنا لا يتعلق فقط بكورتوا ولكن حتى كريم بنزيما الذي كان محط سخرية الجميع حتى 2018 وأصبح الآن المرشح الأقرب للفوز بالكرة الذهبية.
إدارة بارتوميو فعلت أسوأ من أي إدارة في التاريخ، فالأمر لا يتعلق فقط بالديون، ولكن بترك فريق مدمر نفسيًا وتسريب كل ما يدين اللاعبين لتلميع صورة الرئيس، بل وحتى دفع أموالًا للهجوم على نجوم وأساطير النادي على مواقع التواصل الاجتماعي.
أزمة الديون سوف تنتهي، لكن الأزمة النفسية سوف تحتاج لبناء جيل جديد تمامًا مما يجعل عملية البناء أطول وأكثر تعقيدًا!
اقرأ أيضًا:
شد وجذب بين كلوب وجوارديولا.. تصريحات مثيرة من الموسم الماضي!
كورتوا عقب تألق نهائي دوري الأبطال: استحق المزيد من الاحترام!




