"جوجو بونيتو - Jogo Bonito" .. مصطلح يسمعه كثيراً محبي كرة القدم ولكن قليل من عاصره حقه، هو ذلك المصطلح الذي استخدمه الأسطورة بيليه في الإهداء الخاص بسيرته الذاتية، ومن يومها ارتبط بمنتخب السامبا وقت أن كان يقدم كرة قدم ممتعة تعتمد على المهارة، وأصبح عنوانًا تٌصف به اللعبة الأكثر شعبية في العالم عندما تجعل جماهيرها يستمتعون بها كرياضة خُلقت للترفيه.
مساء الثلاثاء في مقاطعة كتالونيا الإسبانية كان ملعب "مونتجويك" شاهدًا على مباراة أعادتنا للكرة الجميلة التي تحدث عنها بيليه وأصبحت سلعة نادرة هذه الأيام في عصر تتكلم فيه الرياضة لغة المال والحسابات الاقتصادية، ورغم أن هناك بطاقة للنهائي على المحك، ولكن برشلونة وإنتر تناسيا ذلك ولو لتسعين دقيقة جعلت مشجعي الفريقين على أعصابهما، والمحايدون يرفعون القبعات، وأفضل وصف كان لصحيفة "ليكيب" التي عنونت: "شكرًا، إلى يوم الثلاثاء".
كمشجع لأحد طرفي المباراة كانت دقائق عصيبة، ولكن ذلك لم يفوت علي فرصة مشاهدة برشلونة فليك عن قرب، نعم شاهدت العديد من مباريات الفريق هذا الموسم، ولكن هناك فارق أن تشاهده كخصم للفريق الذي تشجعه وتركز مع كل تفصيلة صغيرة تحدث، ويمكنني القول يا إلهي!
كمشجع لإنتر، شاهدت فريقي ضد عدة نسخ لبرشلونة، ضد فريق فان خال وأنتيتش في 2003، وضد تشكيل الأحلام في 2009-2010، وصولًا لمواجهات تشافي وفالفيردي الأخيرة، وبالتأكيد الأربع مباريات ضد جوارديولا وميسي والبقية تبقى الأصعب بالنظر لمجرياتها، وخصوصاً مباراتي نصف نهائي الأبطال الشهيرتين، ولكن لقاء البارحة كان مختلفاً.
عندما تواجه برشلونة في ملعبه أنت تعرف ما ينتظرك، ستكون محاصرًا، لا تتوقع أن تستحوذ على الكرة كثيراً حتى إذا أردت، ولكن استحواذ عن استحواذ يختلف، في 2009-2010 كان استحواذ جوارديولا مملاً، وهذا الوصف لا يعني التقليل من هذا الفريق ولاعبيه ومدربه ولكن الغرض منه المقارنة ليس أكثر مع الفريق الحالي لفليك الذي يستحوذ ولكن يلعب كرة مباشرة وليس "تيكي تاكا" حيث التمرير ثم التمرير بل دائمًا البحث عن المرمى، والجميع يشارك في تلك العملية الجريئة التي تأتي بمخاطرها نعم ومن هنا حفلة الأهداف في المرميين، ولكن إذا كنت مشجعًا لبرشلونة أو محايدًا فأنت على موعد مع عرض كروي ممتع ودسم في كل مرة يدخل فريق فليك الملعب، لا يوجد حسابات معقدة ومثلثات ومربعات جوارديولا وأظهرة مقلوبة، الرجل خلق فريقًا يلعب كرة مباشرة ألمانية بصبغة مهارية كتالونية، والنتيجة "جوجو بونيتو" برازيلية تسر الناظرين!
وبالحديث عن العناصر، المقارنة فرضت نفسها علينا وهذا هو الحال دومًا في برشلونة، فمن ينجب أمثال ميسي وتشافي وإنييستا وغيرهم سيكون جمهوره ومراقبيه دومًا ينتظرون خليفة هؤلاء، وحقيقة لم تقصر "لا ماسيا"، والجيل الحالي يعج بالخلفاء، ولكن لنركز مع ثنائي بالتحديد، يامال وبيدري.
سؤال بسيط، عندما كان ميسي وإنييستا بنفس عمر يامال وبيدري الحالي بنفس الجودة؟ بالأمس احتفل يامال ب100 مباراة مع البلوجرانا، بعمر 17 عامًا، سبعة عشر عامًا وفاز بالفعل باليورو والليجا وغيرها، بينما ميسي وقتها كان لعب فقط 9 مباريات وسجل هدفًا، والوضع مشابه أيضاً في حالة بيدري الآن بسن 22 عامًا وحقق كل شيء ويملك رقمًا هائلاً من المشاركات المحلية والدولية، وإنييستا الذي بعمره وقتها كان يخطو خطواته الأولى مع برشلونة أنتيتش.
مجددًا من باب التذكير وحتى لا يتم اتهامي بالهرطقة، نحن هنا لا نقلل من ميسي وإنييستا، ولكن فقط نطرح نقطة أن ما نشهده الآن إعجازًا، لاعبون في مقتبل العمر وبداية مسيرتهم ولكن حققوا إنجازات ويقدمون كرة قدم احتاج هؤلاء الأساطير الذين يضرب بيهم المثل لسنوات حتى يفعلوها، ويلعبون بشخصية وثقة نفس ليست لمراهق أو شاب في الثانية والعشرين، أو لفريق يفترض في عامه الأول من البناء مع مدرب جديد ومشروع لإعادة فريق للطريق الصحيح.
لا أعرف ما سيحدث في لقاء الإياب ولا أعرف إذا كان يامال سيستمر هكذا ويملك استمرارية ميسي ويكون الأسطورة المقبلة في الكرة، ولن أمانع إذا فاز إنتر في العودة بهدف نظيف وملحمة دفاعية كما فعل في 2010 وإن كان هذا مستحيلًا بالنظر للخصم، ولكن سأريد المزيد من "الجوجو بونيتو" كتلك التي قدمها فليك وإنزاجي مساء الأربعاء في كرة هذه العصر!




