عبث، عشوائية ولا يوجد مخطط واضح، كلمات ربما تسمعها في محطات التلفاز المصري الرياضي حاليًا في كافة البرامج.
الكل الآن يوجه أصابع الاتهام إلى اتحاد الكرة بسبب الإخفاقات الدولية، ومجلس إدارة الأهلي بسبب رحيل بيتسو موسيماني.
الكل الآن يبحث عن لعب دور الأسد الشجاع أمام الفساد الرياضي والاختيارات العبثية، ويكأن الإعلام المصري لم يكن له دورًا في هلاك تلك المنظومة.
ونحن لسنا بصدد توزيع الأدوار وتبادل الاتهامات مع تلك الفئة من الناس، نحن فقط نريد تسليط الضوء على ما يحدث في منظومة كانت مضيئة ويشهد لها الجميع بالتعامل الاحترافي.
بالطبع نحن لا نتحدث عن الزمالك الذي خُرب من الداخل، حتى تبقى منه بعض اللمحات من الأسطورة الماضية المعروفة بـ "القلعة البيضاء".
نحن أمام فقرة جديدة لم نشاهدها من قبل في الكرة المصرية، وهي انحدار الأهلي لتلك الحالة المتدنية التي يشهدها البقية.
"يا كل حاجة وعكسها"
"لا تسألني عن الأداء ولكن حدثني عن الـ 3 نقاط".
"النتيجة بالطبع سيئة، ولكن كنا ننتظر أداء أفضل من ذلك".
صدقني أن الجملة الأولى والثانية تعودان لنفس الشخص، وهو معلق قنوات "beIN SPORTS" المصري، علي محمد علي.
efa facebookوالمدهش أكثر أن العبارة الأولى تعود لمباراة مصر أمام منتخب غينيا، وهي التي انتصر فيها الفراعنة في الدقائق الأخيرة بهدف عشوائي للغاية لمصطفى محمد.
والجملة الثانية تعود لمواجهة إثيوبيا، التي خسرها المنتخب المصري بثنائية، بعد لقاء غينيا بـ 4 أيام فقط.
نعم، لقد غير المعلق المصري رأيه في خلال 4 أيام فقط، بناءً على ما شاهده، وهي حالة مصغرة يمكن تعميمها على العديد من الأشياء التي تحدث في مصر الآن.
أحداث تذكرنا بقصيدة الشاعر جمال بخيت "بالورقة والقلم" التي يصف فيها مصر بأنها تسير "بكل حاجة وعكسها".
ولكن كيف يُطبق ذلك على الأهلي؟ كيف دخل فريق الجزيرة في تلك المعادلة من الأساس؟
النتائج لا المنظومة!
بعد قدوم المدرب السويسري رينيه فايلر لتولي مسؤولية الأهلي، وتحسن جودة العناصر والمنظومة الرياضية بالنادي القاهري، خرجت الأصوات الحمراء التي تقارنه بمانويل جوزيه.
بالطبع هي مقارنة ظالمة لا عقل فيها ولا منطق، لكننا نتذكرها لأنها تعكس مدى حالة الفرحة والسعادة التي تواجد فيها عشاق الأحمر، خاصةً المحللين في القنوات الرياضية.
Backpagepixوبعد أزمة جائحة كورونا، ومطالبة فايلر ببعض المعاملة الخاصة، رفض الأهلي استمراره وغادر إلى بلاده، وجاء بيتسو موسيماني.
نحن لن نقص عليك إنجازات الرجل المعروفة، ولن نتحدث عن مدى عبقريته، لكننا سنتذكر شيئًا واحدًا من تلك التجربة، أنها كانت مدهشة من حيث النتائج، ومتذبذبة من حيث الأداء.
وعندما غضبت الجماهير من تقهقر المستوى الذي أعطاه فايلر للنادي، خرجت نفس تلك الأصوات الإعلامية والجماهيرية التي كانت تمجد السويسري، لتقول إن "الموس" تفوق عليه في كل شيء، وأنه أفضل بكثير من رينيه.
الآن وبعد رحيل موسيماني، عادت نفس تلك الأصوات لتقول إنها تتمنى أن يتعاقد الأهلي مع مدرب بخصائص فايلر!
3 مشاهد توضح لك تعامل منظومة الأهلي من خلال إعلامها وجماهيرها في الفترة الأخيرة، مشاهد أقرب لما قدمه الفنان فؤاد المهندس في مسرحيته "سك على بناتك" حينما قال "بلاها نادية خد سوسو".
احترافية أم عشوائية؟
بعد الأنباء التي أشارت إلى رحيل فايلر من الأهلي في عام 2020، أوضحت صحيفة "توتو ميركاتو" الإيطالية أن المدرب لوتشيانو سباليتي قريب من تدريب الفريق المصري.
Gettyوالمفاجأة أن المدرب ذاته قد طُرح على النادي القاهري قبل فايلر وكان الحديث أنه رحب بالتواجد لكنه رفض القدوم على الفور وفضل بداية الموسم في شهر يناير لكي يحصل ما تبقى من راتبه من قبل إنتر ميلان بعد أن أقيل.
في الحقيقة كلها اجتهادات صحفية، لكن فكرة ربط اسم المدرب سباليتي بالأهلي كانت مدهشة، لأنها تفتح الباب حول التفكير بتواجد بعض الأسماء الرنانة في الكرة العالمية بالنادي المصري.
الآن أوضحت بعض التقارير المصرية أن المدرب رودي جارسيا بات مطروحًا أمام إدارة الأهلي، وربما ستتفاوض حول تواجده.
وأشار موقع "في الجول" لبعض المعايير الخاصة التي على أساسها سيتم اختيار رجل المرحلة القادمة.
وكان من أبرزها "الأهلي يرى أن تجربة رينيه فايلر كانت ملهمة، ويريدون تكرارها مع مدرب آخر".
وبالطبع فإن الأسماء المطروحة جميعها مشهودًا لها بالخبرة والتميز، لكن جارسيا يستوقف البعض، ويجعلنا نفكر مجددًا في كيفية إدارة تلك المنظومة، هل هي احترافية وترغب بالتطور؟ أم أنها تدار بالعشوائية؟
لماذا لا نرى جوارديولا في مصر؟
نعم العنوان صادم، ولن يحدث في تاريخ كرة القدم، ولن أقول لك إن كل شيئًا وارد ومثل هذه الجمل التي حتى وإن كانت حقيقية في العالم بأسره فإنها تفقد معانيها حينما ترتبط بمصر.
ولكن المقصد هو أنه لماذا لا نرى أفكار جوارديولا في مصر؟ فعندما شاهدنا فايلر، بدا وأن العناصر المحلية يمكنها تقديم عروضًا مميزة، فوجدنا تطور هائل في المنظومة الجماعية للأهلي، وفرديات مذهلة.
Getty Imagesعندما تحدث حسين الشحات عن السويسري مثلًا، قال إنه يكره أن يشاهد الكرة تلعب عالية، ويعاقب اللاعبين في التدريبات إذا ارتفعت الكرة عن أرض الملعب.
هذه أفكار رائعة تواجدت بسبب وجود مدرب له فكر حديث يحاول أن يطبقه في الملاعب المصرية ومن ثم يتفوق على كافة الفرق في القارة.
فلماذا لا يتعاقد الأهلي بالفعل مع رودي جارسيا، وتحدث تلك النقلة الكبيرة في مستوى لاعبيه، وهو الأمر الذي قد يستفز الزمالك وبقية الفرق الكبيرة في القارة لكي تحاول أن تجلب تلك الأفكار الحديثة.
Getty Imagesبالطبع هي فكرة حالمة بعض الشيء، لكني أراها منطقية، فلماذا تحرم هذه القارة من التطور؟ نحن لدينا أسماء تألقت في أهم الملاعب الأوروبية، مما يوضح أن المشكلة ليست في أفكارنا ولا جودتنا، ولكن في العقلية.
جلب مدربين مثل جارسيا أو سباليتي أو غيرهم من الأسماء التي تملك الفكر الاحترافي، ستجعل الكرة الأفريقية تتطور يوم بعد يوم، والبداية لا بد من أن تكون من بوابة زعيم القارة وسيد القوم.
بيت القصيد
المعروف عن الأهلي عبر تاريخه هو نظامه المستقر ووضعه المالي المريح الذي يتيح لكافة الإدارات المتلاحقة على تولي مسؤوليته، النجاح المتسمر والعمل على فكرة الاستدامة على المدى الطويل.
في الفترة الأخيرة من تاريخ القلعة الحمراء، ظهرت العديد من المؤشرات التي أربكت الجماهير، بسبب تلك التخبطات الإدارية والحروب مع تركي آل الشيخ.
ومن ثم اكتملت العشوائية في اختيار المدربين، وعدم العمل على نظام ثابت ومعايير واضحة، وبدا وأن كل شيئًا يسير وفقًا للصدفة.
Getty Imagesأمام مجلس إدارة النادي الآن فرصة جيدة لتصحيح الأمور ووضح الأشياء في أماكنها الصحيحة.
الإدارة تطور مقرات النادي، وتتعامل مع مدير فني تشيكي للناشئين، وتلك لمحات رائعة، لكنها تفقد المنطق عندما يتعلق الأمر بالفريق الأول.
الأهلي دخل في دوامة من الصفقات المتواضعة التي تم شرائها بمبالغ كبيرة، واختيارات للمدربين غير مبنية على معايير واضحة، فلا أحد يعلم حتى الآن ما إذا كان الأهلي يريد مدرب هجومي ويحبذ الاستحواذ مثل فايلر، أم رجل يحب أن يلعب على رد الفعل مثل موسيماني.
كيف سنعرف، والأهلي نفسه لم يعرف خصائص هذا الثنائي قبل التعاقد معه.
