USWNT Women's World Cup 2019

مساواة الأجور.. "النصب" برعاية الأمم المتحدة!


أحمد أباظة    فيسبوك تويتر

مرة أخرى.. هذا صراع نابع من الرفاهية ليس إلا، صراع تقوده نسويات غربية مرفهة على درجة عالية من انعدام المنطق والمتاجرة بقضية حقيقية، محولة الدعم العالمي لقضايا المرأة إلى فرصة لاستعراض العضلات هنا وهناك دون أدنى ذرة من الوعي، الأمر الذي لن يضر في النهاية إلا بالقضية نفسها، حين يتصدر مثل هؤلاء مشهدها.

لذلك لا يمكننا إقحام جانبنا العربي من النسويات في هذا الأمر بتلك القوة، اللهم إلا بعض المُقلِّدات بلا وعي بالطبع، لأننا صدقاً لا يمكننا تفهم من تُقحم نفسها في معترك النضال لأجل رواتب لاعبات كرة القدم، في بلدان لا تتيح للمرأة بسهولة أن تمارس فعلاً بدائياً مثل السير في الشوارع دون مضايقات.

  • 1العرض والطلب..

    الموظف (أ) هو ذكر يعمل في إحدى الشركات، يجلب للشركة 20 جنيهاً في الشهر، تمنحه الشركة 5 منهم في المقابل. الموظفة (ب) هي أنثى تعمل في نفس الشركة، تجلب للشركة 8 جنيهات في الشهر، ولكنها تطالب برفع أجرها إلى 5 أسوة بزميلها، وافق المدير على طلبها.. فما يكون هذا المدير؟ رمزاً للمساواة؟ في 90% من الحالات أنت تعرف جيداً ما الذي يحاول المدير فعله هنا أليس كذلك؟

    في عُرف السعار الحالي، يمكن اعتبار "أنت" المخاطب هنا أحد أشكال الذكورية، فلماذا لم تقُل "أنتَ أو أنتِ"؟ ألا يمكن أن تكون هناك أنثى تقرأ الآن؟ بالطبع.. ولكن للأسف أنا و"أنتَ" و"أنتِ" و"هذا" و"تلك" جميعاً على علم بأن غالبية جمهور اللعبة هم الذكور منذ قديم الأزل، ما الذي سيجعل الغالبية من الإناث الآن؟ ربما الموضوع نفسه.. أعتذر، فاتتني تلك.

    ولكن كما كنا نحاول القول منذ لحظات، صراع الحماقة الخام الذي نشهده هو ليس صراعاً مع "فيفا" الذي لا يساوي بين الذكور والإناث، كون الأغلبية المكونة من الذكور تفهم جيداً كيف تسير تلك المنظمة المالية الربحية جيداً، لا يوجد أوضح من دوامة الفضائح القائمة على مر الأعوام الأخيرة، وبالتالي يمكنكم صدم رؤوسكن بالحائط للأبد: فيفا لن يمنحك جنيهاً لا يجني أمامه أربعة.

    بكلمات أخرى.. الصراع هنا مع الجمهور، إذا تحول الجمهور لمشاهدة الكرة النسائية بعدد مقارب لما يشاهد كرة الرجال، وإذا باتت كرة النساء تدر ربحاً مقارباً لنظيرتها، ستجد اهتماماً أكبر من الرعاة بطبيعة الحال، وبالتالي سيمنحها فيفا كل ما تريد، عوضاً عن هذا "الفتات" النابع من التظاهر بأداء الواجب المجتمعي.

  • إعلان
  • 2ما بني على باطل؟

    النساء بدأوا المجال متأخراً، واجهوا العديد من العراقيل، بينما يحفل التاريخ الكروي بتطورات كرة الرجال على مر آخر 100 عام.. كأس العالم للرجال بدأ عام 1930 فيما بدأ نظيره النسائي عام 1991. كرة القدم النسائية ظهرت في إنجلترا في العقد الثاني للقرن الماضي، ولكنها اضطرت للتوقف بين 1921 بقرار من الاتحاد الإنجليزي.

    القرار حرم النساء من اللعب على ملاعب الاتحاد وبالتالي حرمهم من المشاهدة الجماهيرية، لماذا؟ لأن "لعبة كرة القدم ليست مناسبة للسيدات ولا يجب تشجيعهن على لعبها" في واحدة من أبرز صور الذكورية المتعفنة، قرار يستوجب محاسبة صاحبه حقاً، هو وكل من ساهموا في استمرار هذا الهراء حتى عام 1971، ليس فقط لهذا المنع التعسفي بل لما ترتب عليه من إضرار بشعبية اللعبة بين النساء، ولكن للأسف فات أوان الحساب.

    بحسب بي بي سي، حظيت مباريات السيدات برواج هائل في تلك الحقبة، لم تكن مساوية للرجال، بل تفوقت. ملعب جوديسون بارك الخاص بنادي إيفرتون سجل حضور 53 ألف متفرجاً لمشاهدة مباراة نسائية في 1920، ماذا كان أعلى حضور في الملعب نفسه لمباريات الرجال؟ 39 ألفاً في موسم 2014-2015، فارق 100 عام ولا يزال الرقم النسائي هو الأعلي حتى اليوم.

    نعم على هذا الأساس تستحق المرأة دعماً أكبر لممارسة الرياضة، ليس فقط الدعم المعتاد لأي نشاط رياضي، بل دعماً أكبر كنوع من أنواع التعويض عن تلك المجزرة التاريخية الحمقاء، ولكن المساواة الكاملة؟ على أي أساس؟

  • 3الحرية للرجال!

    يمكن القول أن المرأة قطعت شوطاً كبيراً حتى اللحظة، فقد قرر فيفا زيادة مجموع الجوائز إلى 30 مليون دولار في كأس العالم للسيدات 2019، يحصل المنتخب البطل منها على 4 مليون دولار. هذا ضعف ما تم تقديمه في النسخة الماضية عام 2015، ولكنه لا يزال 7.5% من مجموع جوائز كأس العالم للرجال، حيث وصل المجموع في مونديال روسيا 2018 إلى 400 مليون دولار، نالت منها فرنسا 38 مليون كبطل المسابقة.

    نعم هذا يعني أن جميع منتخبات النساء التي شاركت في كأس العالم (30 مليون) لم تصل إلى ما حققه المنتخب الفرنسي للرجال وحده، وهذا ظلم بيِّن أليس كذلك؟ لنرجع معاً إلى مثال (أ) و(ب) أعلاه، ثم ننظر إلى العوائد: كأس العالم للسيدات عام 2015 حقق 73 مليون دولار كأرباح، بما فيهم 17 مليون من الإعلانات في الولايات المتحدة فقط، فماذا جنى مونديال روسيا الذكوري؟ 6 مليار دولار.. لم تخطئ قراءة الرقم.

    بكلمات أخرى: فيفا يجني 6 مليار دولار من كأس العالم، مقابلها يمنح 400 مليون كجوائز، فيما يجني 73 مليون دولار من كأس العالم للسيدات يمنح أمامها 15 مليون (قياساً على أرباح ومكافآت نسخة 2015). بحسابات النسبة المئوية يتضح أن مكافآت النساء تبلغ حوالي 20.5% من قيمة العوائد، مقابل 6.6% لمكافآت الرجال، حدثني أو حدثيني عن المساواة مجدداً.. من المظلوم الآن؟

  • 4أسطورة التفوق النوعي

    في عالم تتوه به كل تلك الحقائق الواضحة بشكل فج، وصل السعار وادعاء الحماقة إلى حد أن تأتي تلك التغريدة من حساب منظمة "الأمم المتحدة"، عن "أحدهم" الذي يتقاضى ضعف ما يتقاضاه كل نساء الدوريات السبعة الكبار، كديباجة لاستقطاب المناصرين نحو حملة المطالبة بمساواة الأجور لنساء الرياضة، وطبعاً يحق لك تخيل الردود التي أتت من الذكور والإناث على حد سواء..

    سنختار منها فقط تغريدة الأستاذ جاد سعد:"هل تعلمون أن ليدي جاجا (مغنية أمريكية) تجني أسبوعياً أكثر مما أجنيه كل عام؟ لقد كنت أستاذاً لمدة 25 عاماً، رجاء تحدثوا عن هذا التمييز الجنسي المعادي للسامية".

    العلم يرجع الأمر إلى فوارق هرمونية بحتة، نساء أمريكا بطلات العالم في 2015 لاقوا هزيمة مخجلة على يد فريق مدرسة تحت 15 عاماً من الذكور بخمسة أهداف مقابل هدفين.. التاريخ يخبرك أن الانتصار الوحيد للمرأة على الرجل في لعبة مثل التنس سجلته بيلي كينج (29 عاماً) على بوبي ريجز (55 عاماً)! وذلك بعد أيام قليلة من لهو ريجز بالمصنفة الأولى والفائزة بـ3 ألقاب للجراند سلام عام 1973 مارجاريت كوري (6-2 و6-1) فيما عُرف إعلامياً بمذبحة عيد الأم.

    تاريخ قديم؟ إلى العام 1998 وكلمات الشقيقتين سيرينا وفينوس ويليامز أنه لا يوجد رجل خارج أول 200 في التصنيف يمكنه هزيمتهما، ليخرج الألماني كارستن براش المصنف 203 في ذلك الوقت، ساحقاً سيرينا (6-1) ثم فينوس (6-2)، قبل أن يؤكد أنه لا فرصة للشقيقتين في الانتصار ضد أي من الـ500 الأوائل، مؤكداً أنه لعب بمستوى المنصف 600 حتى يحافظ على المتعة! سيرينا نفسها اعترفت:"لم أعرف أن الأمر سيكون بتلك الصعوبة، لقد لعبت كرات كانت لتضمن الفوز في منافسات السيدات ولكنه تصدى لها بمنتهى السهولة".

    اختصاراً نحن لا نملك سوى مطلباً وحيداً تجاه قادة هذا السعار سواء عن جهل أو ادعاء للجهل: هل يمكنكم رجاء أن تتوقفوا عن إدارة واحدة من أكبر عمليات النصب الواضح باستغلال القضايا؟ هل يمكنكم التوقف عن الإضرار بقضية حقوق المرأة والذي لا تفعلوا سواه الآن بإلباس المرأة رداء الغاصب؟ شكراً جزيلاً.. رحلة سعيدة إلى الجحيم.