Chile national stadium gfx (Goal only)AI

مدرج خاوي تكريمًا لأشباح الماضي .. تاريخ تشيلي الدموي يطارد كأس العالم للشباب!

في زخم كرة القدم والدوريات الأيام الماضية، نجح مونديال الشباب تحت 20 عامًا في جذب الأنظار، هناك من يتابع بحثًا عن مواهب المستقبل، وآخر مل من كرة الأندية ويبحث عن التجديد في لقاءات الفجر والصباح الباكر بسبب إقامة البطولة في تشيلي بأمريكا الجنوبية، ولقطات مثل ما حدث من إثارة اللحظات الأخيرة بين مصر والمضيف بررت السهر لساعات الصباح الأولى!

ولكن المتابع لمباريات مونديال الشباب، وتحديدًا ما أقيم منها على ملعب تشيلي الرئيسي "الملعب الوطني في سانتياجو" أو ما يعرف حالياً بملعب "خوليو مارتينيز برادانوس" الوطني على اسم المعلق الرياضي الشهير في البلاد قد لاحظ مجموعة من المدرجات الخشبية الخالية محاطة بسلك حديدي لونها أصفر يميل للخضار من عدم الاستخدام وتعرضها لحرارة الشمس والعوامل الجوية، تلك عزيزي القاريء هي المدرجات التي تعرف ب"إسكوتيا 8"، والتي صممت في 2011 لتكريم أكثر من 40 ألف شخص تعرضوا للتعذيب في هذا الملعب.

  • WORLD CUP-1962-BRAZIL-ROUS-MAURO-CUPAFP

    ملعب عريق بتاريخ كروي بحت حتى 1973

    يعد ملعب "خوليو مارتينيز برادانوس" الملعب الرئيسي لتشيلي ومنتخبها الوطني منذ افتتاحه في 1938، واستضاف أحداث كروية بارزة منذ ذلك التاريخ، أبرزها مونديال 1962، حيث كان شاهدًا على تتويج البرازيل باللقب على حساب تشيكوسلافاكيا، وحلول أصحاب الأرض في الترتيب الثالث على حساب يوغوسلافيا، في إنجاز هو الأفضل لهم في كأس العالم.

    كما يملك الملعب سبقًا كونه استضاف مباريات بطولة "بطل أبطال أمريكا الجنوبية"، تلك التي منها استوحيت فكرة دوري أبطال أوروبا وكوبا ليبرتادوريس، وذلك في 1948، كما استضاف 3 نسخ لكوبا أمريكا في 1941، 1945، و1955.

    ويعد الملعب منزل لأحد أكبر فرق تشيلي وهو يونفيرسيداد دي تشيلي، وأكبر حضور جماهيري شهده كان في الديربي ضد يونيفرسيداد كاثوليكا في 1962، بحضور ما يزيد عن 82 ألفًا رغم أن السعة الرسمية للملعب لا تتعدى 73 ألفًا.

    كل ذلك تغير في 11 سبتمبر 1973، تاريخ في العصر الحديث يرتبط بأحداث برجي التجارة في الولايات المتحدة وحرب السادس من أكتوبر في الوطن العربي، ولكن في تشيلي بالانقلاب العسكري الذي غير تاريخ البلاد وكتب صفحة قاتمة لا تنسى في تاريخها، كان أحد أهم مسارحه للأسف هذا الملعب الذي يفترض أن يكون للترفيه، ولكن تحول لمقر احتجاز وتعذيب.

  • إعلان
  • من أليندي إلى بينوش

    في الحادي عشر من سبتمبر 1973، ثارت جماعة "جونتا" العسكرية على النظام الحاكم للبلاد بقيادة سالفادور أليندي، وقامت بقصف القصر الرئاسي، وبحلول نهاية هذا اليوم الفارق في تاريخ البلاد، كان الرئيس قد فارق الحياة، وسط روايات تشير إلى انتحاره وأخرى إلى اغتياله، وتحول الحكم إلى الجنرال أجوستو بينوشيه.

    دخلت تشيلي تحت قيادة بينوشيه في تحول سياسي واجتماعي كبير، وضمن تلك التحولات كان حال ملعبها الوطني الذي تحول من مكان للعب الرياضة إلى معتقل، حيث استخدمت أرضية الملعب لاحتجاز الرجال، وحمام السباحة والغرف الداخلية لاحتجاز السيدات.

    بحسب الصليب الأحمر، كان يتواجد قرابة 7 آلاف معتقل في نفس الوقت تقريبًا في الملعب، وشهادات العيان من المعتقلين السابقين وأهاليهم، وحتى لاعبين لعبوا في الملعب تشير إلى عمليات تعذيب وقتل لا أحد يعرف عددها المحدد قد جرت في ثكنات الملعب، وإن كانت السجلات الرسمية للبلاد تشير إلى 41 حالة وفاة موثقة خلال فترة 8 أسابيع استخدم الملعب كمعتقل.

  • "فعلوا بنا أشياء لا توصف والآن الناس تفرح هناك"

    يتذكر ريني كاسترو مع "نيويورك تايمز" بتلك الكلمات فترة احتجازه في الملعب كسجين سياسي معارض لنظام بينوشيه، إذ يعد من أطول المحتجزين، ويتذكر واقعة شهيرة من 1973 كتبت أحد أكثر الفصول في تاريخ فيفا قتامة.

    في ذلك الوقت، كانت تشيلي ستواجه الاتحاد السوفييتي في الملحق من أجل بطاقة في مونديال 1974 بألمانيا الغربية بنظام الذهاب والإياب، الذهاب في موسكو انتهى 0-0 وسط تعجب السوفييت من تعثر منتخبهم القوي ضد هذا الخصم المجهول في نظرهم، وعند اقتراب لقاء العودة، قرروا الاحتاج على اللعب في بلد غير مستقر بسبب الأحداث السياسية، وفي ملعب يستخدم لتعذيب البشر.

    رئيس فيفا وقتها سير ستانلي روس قام بإرسال وفد من الاتحاد الدولي للتحقق من صحة الأقاويل بخصوص استخدام الملعب الوطني الوطني كمركز للاعتقال، ويتذكر ريني كاسترو كيف تم اقتياده تحت تهديد السلاح لغرف تحت الملعب إبان زيارة وفد فيفا، وتهديدهم بالقتل إذا صرخ أو تحدث أحدهم للفت أنظار الوفد.

    "أردنا الصراخ وقول نحن هنا أنظروا لنا، ولكن الوفد على ما يبدو كان مهتم بمعاينة حالة العشب فقط"، يقول فيليبي أجويرو الذي احتجز في الملعب الوطني لقرابة الشهر وكان شاهدًا هو الآخر على زيارة وفد الاتحاد الدولي، وتعرض للتعذيب بالضرب على الحائط والصعق بالكهرباء وهو مغطى الرأس ومعصوب العينين، وكان وقتها في الحادية والعشرين من عمره وعضو في الحزب الحاكم بقيادة الرئيس المطاح به أليندي.

  • FBL-CHI-COLOCOLO-UDECHILE-DEATHAFP

    مباراة الأشباح

    رغم موافقة الاتحاد الدولي على خوض اللقاء، ولكن الاتحاد السوفييتي رفض اللعب ولم يسافر لحضور المباراة، ورغم ذلك، أصر فيفا على لعبها، ونزل فريق واحد إلى أرضية الملعب وهو المضيف تشيلي، بل وقام بركلة البداية وتسجيل هدف في شباك خالية، وعندما لم يجد الحكم خصمًا لإعادة إطلاق اللقاء، أطلق صافرته معلنًا نهايتها بانسحاب الضيوف "الوهميين" وانتصار أصحاب الأرض وتأهل تشيلي للمونديال، وكتابة صفحة قاتمة وفاضحة في تاريخ كرة القدم واتحادها!

    اختلفت الأقاويل بخصوص انسحاب الاتحاد السوفييتي، هناك من يقول إنه كان موقف سياسي وإنساني اتجاه النظام الحاكم في تشيلي وما يحدث في الملعب من انتهاكات، والبعض الآخر ذهب لأسباب رياضية بأن البلاد تخوفت من فضيحة الخسارة أمام فريق أقل فنيًا، وبلد تمر بأزمة سياسية، ما قد يؤثر على صورة الاتحاد السوفييتي الذي كان يعيش وقتها أجواء حرب باردة مع الغرب والولايات المتحدة.

    المؤرخ الكروي الشهير إدواردوا جاليانو كان حاضرًا في المدرجات لمشاهدة تلك المهزلة الكروية، والتي وصفها وقتها بأنها "أكثر مباراة كرة قدم مثيرة للشفقة في التاريخ"، بينما لاعب تشيلي كارلوس كزيلي الذي شارك في المسرحية في منتخب بلاده في وقت كانت والدته يقال إنها محتجزة في معتقل الملعب بحسب "ميديام" وصف اللقاء بأن فريقه فعل أمرًا سخيفًا وأصبح مدعاة للسخرية في العالم أجمع.

    نظام بينوشيه انهار في 1990 ورحل عن حكم البلاد، ومع التغير بدأت تتضح الصورة كاملة لما كان يحدث في مدرجات وغرف الملعب الوطني، وبدأت رحلة تلميع صورته، إذ تغير المسمى في 2008 إلى "خوليو مارتينيز برادانوس"، وفي 2011 تم تخليد الراحلين والمعذبين والمحتجزين بذلك المدرج الذي من وجهة نظر أجويرو المعتقل السابق ليست كافية لإبقاء ذكراهم حاضرة، وهو الذي عاد لحضور مباريات منتخب بلاده في المدرجات الخاصة بالملعب، رحلة "يصفها بالصعبة ولكن حدثت، ولكن الحكومة بحاجة لفعل المزيد لجعل الناس لا ينسون ما حدث في تلك المدرجات".