توقيع ميسي مجرد بداية.. ثورة دافيد بيكهام في كرة القدم الأمريكية

يبدو أنها كانت منذ وقت طويل الآن، في ضوء النجوم العالمية التي شهدها الدوري الأمريكي في السنوات الأخيرة: تييري هنري، ستيفن جيرارد، ديفيد فيا، زلاتان إبراهيموفيتش، كاكا. لقد حان الآن دور ميسي، أكبر وأحدث القادمين إلى الدوري.

في يوليو 2007، وقع بيكهام عقدًا لمدة خمس سنوات مع نادي لوس أنجلوس جالاكسي، ليصبح أبرز لاعب ينتقل إلى الشواطئ الأمريكية.

لكن تغيرت القواعد بشكل كبير لتسهيل وصول بيكهام، وهذا أدى إلى توقيع أسماء مميزة أخرى. لكن بيكهام كان الأول وبلا شك الأكبر، حيث ألقى الضوء على كرة القدم الأمريكية للمرة الأولى، منذ تأسيس الدوري في عام 1996.

فقال حينها:" لست أقول أن قدومي إلى الولايات المتحدة، سيجعل كرة القدم الرياضة الأكبر في أمريكا، سيكون من الصعب تحقيق ذلك. البيسبول، وكرة السلة، وكرة القدم الأمريكية، كلها رياضات قديمة. ولكنني لن أقوم بذلك، إذا لم أكن أعتقد أنني يمكنني أن أحدث فرقًا".

للمرة الأولى، عرف العالم الخارجي عن الدوري الأمريكي لكرة القدم، وربما حتى تابعه. وكان نموذج بيكهام هو المعيار الذي كافحت الفرق من أجل الحصول عليه. في السنوات التي تلت ذلك، تحرك الدوري الأمريكي لكرة القدم بعيدًا عن هذا النمط، مع اتجاه أصغر سنًا من أي وقت مضى، لكن لا شك في أنه بيكهام هو من وضع الدوري على الخريطة.

أشعل الدوري الأمريكي كرة القدم، بجلب بيكهام إلى لوس أنجلوس، حيث قامت بتغيير بنية الدوري بأكملها، لتتناسب مع اللاعب الإنجليزي. ولكن أهم شيء قدمه الدوري له، كان بندًا في عقده سيؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل فريق إنتر ميامي.

فعند توقيعه العقد مع جالاكسي عام 2007، أعطى النادي بيكهام الخيار لشراء فريق مستقبلي، مقابل 25 مليون دولار فقط. وفي عام 2014، أعلن إتمام ذلك. يمكننا القول إنها صفقة جيدة بكل تأكيد.

لماذا ميامي؟ بالنسبة للدوري، كان السحر واضحًا. بعد الفشل السابق في السوق مع ميامي فيوجن، كان هناك رغبة في تصحيح الأمور مرة أخرى في جنوب فلوريدا. إنها ولاية كبيرة جدًا، ومهمة، ومتنوعة ثقافيًا، لكي تكون مركزًا لكرة القدم الأمريكية.

وبالنسبة لبيكهام، كان السحر واضحًا أيضًا، حيث إن ميامي هي واحدة من المدن التي يمكن أن تنافس على الساحة العالمية، إلى جانب مدن مثل نيويورك، ولوس أنجلوس.

في عام 2021، اشترى بيكهام حصة من النادي، ويظل الإنجليزي الشخصية البارزة في مجموعة الملاك، وبعد غيابه الطويل في عام 2020 بسبب جائحة كورونا، أصبح يلعب دورًا أكثر فاعلية في أنشطة الفريق. وبالتأكيد لعب دورًا حاسمًا في هذه القصة المثيرة حول ميسي.

عندما أصبحت خطط إنتر ميامي واقعًا عام 2018، قام الدوري الأمريكي بإطلاق فيديو يضم أكبر نجوم العالم، يهنئون بيكهام على العمل الجيد الذي قام به. ومن بين النجوم المذكورين في الفيديو؟ ميسي، الذي كان لديه رسالة قصيرة، ولكنها مهمة لرئيسه المستقبلي.

فقال ميسي في الفيديو:" أولاً وقبل كل شيء، تهانينا، أود أن أتمنى لك كل التوفيق في هذا المشروع الجديد، وهذا الدور الجديد بالنسبة لك. من يعلم، ربما بعد بضع سنوات تتصل بي".

هذه الرسالة كانت مجرد بداية، لعملية استمرت لسنوات تربط بين الجانبين. في السنوات الخمس الماضية منذ ذلك الفيديو القصير، تعرض بيكهام وشركاؤه لسؤال متكرر عن النجوم الكبار، وعلى رأسهم ميسي، اللاعب الذي كان النادي يطمح دائمًا في ضمه.

في العام الماضي، أكد خورخي ماس ذلك، حيث قال لصحيفة ميامي هيرالد:" ليو ميسي لا يزال واحدًا من أفضل اللاعبين في العالم، مهاراته لم تتناقص. ودافيد لديه علاقة به، إذا غادر باريس سان جيرمان، سنكون سعداء لرؤيته كلاعب في إنتر ميامي وجزء من مجتمعنا. هل يمكن أن يحدث ذلك؟ سنبذل قصارى جهدنا".

ميسي، من جانبه، لم يخف رغبته في اللعب بالولايات المتحدة في يوم من الأيام. حيث قال الأرجنتيني عام 2020:" لطالما قلت إن لدي انطباعًا بأنني أود أن أستمتع بتجربة العيش في الولايات المتحدة، والعيش في ذلك الدوري".

مع اقتراب انتهاء عقده في باريس سان جيرمان، تحولت سنوات المغازلة أخيرًا إلى شيء جدي، والأخوة ماس، وبيكهام كانوا جميعًا حاسمين في إتمام الصفقة.

بينما استمرت عملية التفاوض لعدة سنوات، بدأت الأمور تتصاعد حقًا في كأس العالم 2022 بقطر. وحينما كان ميسي يقود الأرجنتين للفوز بالبطولة، كان خورخي ماس يلتقي بانتظام مع فريق النجم الأرجنتيني، ويضع الأسس للانتقال المحتمل.

لم يكن هذا هو أول لقاء بين ماس، وميسي. سبق له أن حاول التفاوض، عندما غادر ميسي برشلونة، ولكن بسبب رغبة الأرجنتيني في المنافسة بأوروبا، انتقل إلى باريس سان جيرمان. اعتبر فريق ميامي ذلك تأجيلاً وليس رفضًا، وظلوا على اتصال.

مع انتهاء عقد ميسي في باريس سان جيرمان، أصبح واضحًا أن لديه خيارات. برشلونة كانت ومن بينهم، عودة خرافية إلى النادي الذي برز فيه، والسعودية كانت خيارًا آخر، وبالتأكيد الأفضل ماليًا. ثم ميامي، النادي الذي يمكنه أن يقدم مزيجًا فريدًا: الراحة خارج الملعب، والتنافسية داخله، وبالطبع الكثير من المال.

وفي أبريل، تم التقاط صورة لبيكهام مع ميسي في باريس، أثناء زيارته لمقر تدريبات باريس سان جيرمان. وبالطبع، اعتبر الجميع تلك الصورة مجرد صدفة. وكما تبين فيما بعد، كانت علامة على الأحداث القادمة.

ففي النهاية أندهش النادي الأمريكي، والدوري من قرار ميسي، وفقًا لشبكة فوكس سبورت. كانوا يعلمون أنه من الممكن حدوث ذلك، ولكن ميسي نفسه كشف عن كل شيء، معلنًا عن نيته قبل توقيع العقد.

ولكن، وعلى الرغم من أن ميسي لم يوقع رسميًا عقدًا مع الدوري الأمريكي، فقد استفاد الجميع بالفعل من وصوله، بما في ذلك بيكهام بالطبع.

في فبراير، أصدرت مجلة فوربس تقييمها السنوي، لقيمة كل نادٍ في الدوري الأمريكي. أصبح نادي لوس أنجلوس، بعد تتويجه بلقب الدوري الأخير، أول نادٍ أمريكي يتجاوز قيمته مليار دولار. بينما كان إنتر ميامي هو الفريق الأكثر قيمة في الدوري، حيث تقدر قيمته بحوالي 600 مليون دولار.

بالطبع، السعر ارتفع الآن للجميع مع انضمام ميسي. أندية الدوري، وصفقة البث عبر "Apple TV"، كل شيء أصبح أكثر قيمة مما كان عليه قبل أسبوع. ولم يستفد أي كيان أكثر من إنتر ميامي.

اكتسب النادي ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، مما جعله واحدًا من أكثر الأندية متابعةً، في الرياضة الأمريكية. تضاعفت أسعار التذاكر في الدوري. ومع ذلك، لم يصل الأرجنتيني بعد، لكن تأثير ميسي حقيقي جدًا وواضح.

بالمقابل، استفاد بيكهام الأكثر من الجميع. حول انتقاله إلى لوس أنجلوس جالاكسي، ورسوم بقيمة 25 مليون دولار لملكية نادٍ، يرجح أنه الآن يفوق قيمته 40 مرة تقريبًا. كان بيكهام لاعبًا رائعًا، ولكنه كان رجل أعمال أفضل، حيث ارتفعت عائدات الاستثمار بشكل مدهش، مع توقيع هذه الصفقة مع ميسي.

عند تأسيس إنتر ميامي، كان من المتوقع أن يساهم النادي في توجيه الدوري الأمريكي، نحو حقبة جديدة. للسنوات الأولى من وجود النادي، لم يحدث ذلك ببساطة، سواء على المستوى الرياضي، أو خارج الملعب.

لكن، الآن لديهم ميسي، وقد يكون ذلك بداية فقط. وجود ميسي، وبيكهام، وميامي بالتأكيد سحرًا يجذب اللاعبين من جميع أنحاء العالم، حتى لو تمنعهم قواعد الدوري الأمريكي، من الاندفاع. تم ربط العديد من الأسماء الكبيرة بالفعل مع النادي، مثل لويس سواريز، ونيمار، وجريزمان، وسيرجيو بوسكيتس، وجوردي ألبا، ودي ماريا، وهذه فقط البداية.

وصول ميسي يرفع من قيمة النادي، ويساعد بيكهام في تحقيق الهدف المعلن: جذب أفضل اللاعبين في العالم إلى ناديه.

فأصبح نادي بيكهام أكثر أهمية من أي وقت مضى، ولكن التحدي في السنوات التي تلي ميسي، سيكون الحفاظ على تلك الأهمية، في ظل تغير الظروف العالمية.

بغض النظر عن ذلك، حقق بيكهام ما يريده، على الأقل حتى الآن. ومثل بيكهام قبله، غير ميسي اللعبة. وللمرة الثانية في حياته، أحدث بيكهام فرقًا بكرة القدم الأمريكية.