لا أجزم، لكن أرجح أن الدوري السعودي هذا الموسم هو الأكثر طردًا للمدربين في العالم! 18 مدربًا تم إقالتهم من أندية الدوري الـ16، ولم يُحافظ سوى 3 مدربين على مناصبهم، وقامت أندية مثل النصر بالاستعانة بـ3 مدربين خلال الموسم بخلاف المؤقتين.
الدوري السعودي اعتاد استقطاب الأسماء الكبيرة في عالم التدريب خاصة من أمريكا الجنوبية وأوروبا، وآخرهم كان ليوناردو جارديم الذي وصل نصف نهائي دوري أبطال أوروبا مع موناكو وقاده للفوز بالدوري الفرنسي، لكن الغريب أن جُل تلك الأسماء لا تُكمل الموسم مع أنديتها وترحل بفسخ عقودها من جانب الأندية ومن ثم يبدأ مشوار القضايا في أروقة فيفا والمحكمة الرياضية.
المشكلة الكبرى ليست فقط في عدم الاستقرار الفني والخسارة الفنية على أرض الملعب، بل الخسارة المالية والدخول في نفق مظلم من الشكاوي والقضايا مع عدد كبير من المدربين لعدم دفع مستحقاتهم المالية والشروط الجزائية في عقودهم، وهو ما يؤدي إلى تشويه سمعة كرة القدم السعودية وابتعاد المدربين عن العمل في البلاد.
الحديث عن تلك الأزمة ينقسم إلى شقين، الأول تشخيص المشكلة وأسبابها، والثاني إيجاد الحلول المناسبة لمنع تكرارها في المواسم القادمة.
ما هي أسباب مشكلة إقالة المدربين في الدوري السعودي؟
أسباب المشكلة تنحصر في أمرين، سوء اختيار من البداية أو عدم صبر الإدارة وتأثرها بالضغط الإعلامي والجماهيري واتخاذها القرار السهل بإقالة المدرب، وقد رأينا كيف أن سير إدارة الشباب بقيادة خالد البلطان عكس التيار والإصرار على بيريكليس شاموسكا رغم كل الضغوطات حقق نتائج إيجابية للغاية فيما بعد.
سوء اختيار المدرب يأتي من الاهتمام بالأسماء دون النظر لعوامل أخرى مهمة تلعب دورًا في نجاح أي مدرب، مثل شخصيته وطموحاته وقدرته فرض الالتزام في غرفة الملابس واستطاعته التأقلم مع الحياة في السعودية وكرة القدم في الدوري السعودي.
جل الإدارات في الأندية السعودية للأسف تظن أن الفوز في صراع سوق الانتقالات صيفًا، سواء الخاص باللاعبين أو المدربين، ضمان لتحقيق النجاح في الملعب شتاءً، لكن هذا غير صحيح أبدًا، بل الاختيار السليم هو المناسب لقدرات وطموحات الفريق وجودة لاعبيه وقدراتهم الفنية، ولدينا مثالين صارخين على ذلك هذا الموسم وهما الهلال والنصر.
السبب الثاني في هذا الرقم الكبير من المدربين المقالين يعود لتسرع بعض الأندية في إقالة مدربيها مثلما فعل الاتفاق بتخليه عن خالد العطوي رغم نجاحه سابقًا، وهنا يجب القول أن النقطة الأهم في علاقة الإدارة بالمدرب هي تحديد الهدف المطلوب قبل انطلاق الموسم، وأن يُحدد بناءً على جودة الفريق وظروفه والعوامل الأخرى مثل المنافسين وقوتهم.
بعض الأندية تُخطئ في تحديد هذا الهدف وتُحمل الفريق بمدربه ولاعبيه عبءًا أكبر من قدرتهم وترفع سقف الطموحات لدى الجمهور والإعلام، وهنا يكون الفشل هو المتوقع ومن ثم الإقالة والبدء من جديد.
ما هو الحل إذًا لتلك المشكلة؟ 3 اقتراحات
الحل الأهم يأتي من توعية الإدارات تجاه خطورة الإقالات المتسرعة للمدربين، ووجوب الصبر عليهم ومنحهم الفرصة الكاملة للتعرف على اللاعبين وقدراتهم ومن ثم تحديد أسلوب اللعب الأفضل والتوظيف الأنسب للاعبين، وأخيرًا تطبيق أفكارهم الخاصة على أرض الملعب، وهذا كله بحاجة للوقت والمباريات.
الاتحاد السعودي لكرة القدم أحسن حين منع تدريب مدرب واحد لناديين في نفس الموسم، وربما سن المزيد من القوانين الخاصة بالمدربين وإقالاتهم قد يُساعد على ضبط ما يحدث، يُمكن مثلًا منع النادي من التعاقد مع مدربين أجنبيين في الموسم الواحد وإجباره على المدرب المحلي حال أراد ثالثًا.
هذا الأمر سيُجبر الأندية على الصبر وعدم التسرع في إقالة المدربين، كما سيمنح فرصة للمدرب الوطني في الدوري السعودي بحيث يلعب دورًا أكبر من مجرد "مؤقت" بين أجنبيين، خاصة أن الفريق الذي سيُغير مدربين سيكون غالبًا فقد كل فرصه في تحقيق هدفه من الموسم.
الحل الثالث هو وضع المبلغ المطلوب لرحيل أي مدرب في حساب الاتحاد السعودي لكرة القدم قبل اتخاذ قرار الإقالة، سواء كان مستحقات مالية أو شرط جزائي، بما يضمن عدم وجود أي قضايا وشكاوى تتبع هذا القرار وتضر بالدوري السعودي وسمعته .. ذلك الأمر سيجعل الرئيس وإدارته يُفكرون ألف مرة قبل إقالة مدرب ما، وإن أرادوا ربما لا يستطيعون تحمل تكلفة ذلك القرار.
