مباراة جديدة وهدف جديد حاسم، هكذا كانت ليلة ميسون جرينوود في "فيلدروم" مساء الأحد بعد أن سجل متأخرًا هدف انتصار مارسيليا على موناكو لحساب الدوري الفرنسي، ليستمر الإنجليزي الشاب في قيادة فريقه للمنافسة على قمة الترتيب التي يحتلها لانس بفارق 4 نقاط عن أمراء الجنوب.
هدف جرينوود هو المساهمة التهديفية رقم 18 هذا الموسم في 21 مباراة (14 هدفًا و4 تمريرات حاسمة)، متصدرًا جدول هدافي الدوري الفرنسي، ومبقيًا مارسيليا في صراع التأهل من مرحلة المجموعة في دوري أبطال أوروبا، ولموسم ثان على التوالي في فرنسا يفرض موهبته رغم البيئة الصعبة لمارسيليا، النادي الذي لا يعرف استقرارًا، ولكن رغم وصوله إلى فرنسا بظروفه الخاصة، على عكس المتوقع نجح جرينوود في النجاح، بل والتألق لدرجة أن مدربه روبرتو دي زيربي قال إنه لاعب من طينة الفائزين والمرشحين للفوز بالكرة الذهبية لأن لا يملك الكثيرون نفس الإمكانيات التي يتمتع بها لاعبه حول أوروبا، على حد وصفه.
ولكن ماذا يمنع جرينوود من تحقيق كلمات مدربه؟ ما حدث في 2022 عندما تم اتهام جرينوود بالاعتداء على صديقته، وتوجيه تهم الاعتداء الجنسي والتهديد بالقتل له بعد خروج تسريبات قيل إنها للاعب يهدد فيها شريكته بسبب رفضها ممارسة الجنس، التهم التي بسببها تم إلقاء القبض عليه ومحاكمته، قبل أن يتم الإفراج عنه نهائيًا وإسقاط كل التهم في فبراير 2023 بعد انسحاب الشاهد الرئيسي في القضية وخروج معلومات جديدة بحسب البيان الذي أصدرته الشرطة في وقتها.
كلفت تلك الفترة جرينوود حياته تقريبًا، مانشستر يونايتد أبعده عن صفوفه، وتحول من النجم القادم للشياطين الحمر لمنبوذ ترفضه جماهير النادي، خسر عقود الرعاية من عدة علامات تجارية كبرى، وأصبح وجوده في إنجلترا ككل غير مرغوبًا فيه، ليرحل إلى إسبانيا وتجربة من الصفر تقريبًا مع خيتافي حيث أعاد بناء سمعته على الأقل كلاعب كرة قدم موهوب، وإن ظلت تطارده شبهات واتهامات ما قام به مع شريكته، مع العلم أن نفس تلك الشريكة هي من سحبت أقوالها وطالبت بإنهاء التحقيقات معه في أبريل 2022، ورحلت معه في رحلته إلى العاصمة مدريد، وحاليًا تعيش معه في مارسيليا وأنجبا طفلة.
قرر الجمهور وصم جرينوود بالمغتصب والمعتدي وعديد الصفات، ولهم الحق في ذلك على ضوء ما نُشر وقتها من مواد تنسب له، ولكن، إذا كانت الضحية أصبحت أمًا لطفلته، ألا ذلك يفتح المجال للتفكير إذا كان اللاعب حقًا تغير وندم على أفعاله؟ قد تكون شريكته ما يعرف ب"متلازمة ستوكهولم" حين يتعلق الضحايا بالمعتدي عليهم، ونعم ارتكب جرينوود شيئًا لا يغتفر وعوقب عليه وعقابه مستمر من بلاده وعالم الرياضة التي يمارسها أجمع، ولكن ماذا إذا كان حقًا تغير وندم ويحاول العودة للمسار الصحيح؟
الأديب الشهير نجيب محفوظ قال في رائعة "أولاد حارتنا" (آفة حارتنا النسيان)، وهكذا حال جمهور كرة القدم، ينسى لمن يحب ويغفر، ينسى بماذا اُتهم كريستيانو رونالدو في الولايات المتحدة الأمريكية، ينسى سهرات رونالدو الظاهرة الفاضحة، ينسى فضائح مارادونا خارج الميدان، وهذا هو حال أي مشجع مع لاعب لفريقه إذا أخطأ، جمهور مارسيليا نفسه كان في موقف مشابه مع جرينوود عند وصوله، ولكن مع الوقت والأهداف نسوا وسامحوا، ليبقى سؤال واحد فقط عزيزي القاريء، ماذا إذا كان جرينوود حقًا تغير، متى وقتها سنقول إن حان وقت العفو عنه كما فعلنا مع الكثيرين من قبله؟!




