يوفنتوس

متلازمة ليما.. عندما يثور جمهور يوفنتوس في وجه طغيان فريقه!


محمود طه     فيسبوك      تويتر


يحيط علم النفس بجوانب حياتنا اليومية، ولا يوجد ما ينافسه بين العلوم على صعيد التغلغل في جميع تصرفاتنا، وعلى قدر جريانه في الوريد الإنساني، تنتشر العديد من الخرافات المتعلقة به، والتي مع تكرارها تتحول إلى حقائق مسلّم بها تماماً.

وفي كل عصر زمني، يتعرض العقل البشري لوابل من الإدعاءات المتعلقة بعلم النفس، والتي يصعب على غير المتخصصين تمييز صوابها من عدمه، وبعضها كما أشرنا يغدو من المسلمات البشرية بعامل التكرار.

الموضوع يُستكمل بالأسفل

ومن ضمن هذه الإدعاءات التي تصيب وتخيب، كمية المتلازمات النفسية بأنواعها المختلفة، والتي تغري الجميع بتصديقها والبحث الجاد من أجل معرفة سبب تسميتها، من ضمن هذه المتلازمات ”متلازمة ليما“.

ومتلازمة ليما هي حالة مرضية يتعاطف فيها الجاني مع المجني عليه، وهي الحالة العكسية لـ ”متلازمة ستوكهولم“.

ويرجع سبب تسميتها إلي عام ١٩٩٦، حيث قامت حركة ”توباك أمارو الماركسية الثورية“ بهجوم مسلح على حفل في مقر السفارة اليابانية بالعاصمة البيروفية ليما، واحتجزت عدداً من الرهائن بينهم شخصيات دبلوماسية.

وأثناء فترة الاحتجاز، التقطت مروحية محاصرة للسفارة صوراً تُظهر عناصر الجماعة المسلحة وهم يلعبون كرة القدم مع الرهائن في الحديقة الخلفية للسفارة، وهو ما اعتبره البعض محاولة منهم للتخفيف عن الرهائن، وبعد فترة بدأ الخاطفون في إطلاق سراح المحتجزين تباعاً بدون أسباب واضحة، ومع إطلاق سراح الرهائن أطلق مسمى ”متلازمة ليما“ على تلك الحالة التي يتعاطف خلالها الجاني مع الضحية.

Juventus LogoGetty

إسقاط عشوائي

وفي واقع كرة القدم تختلف الصورة نسبياً، ويصعب بطبيعة الحال أن يتخلى فريق عن هيمنته مهما طالت إلا بالقوة الجبرية، ولم نسمع بعد عن انتقال سلمي لصدارة المشهد الكروي في دولة ما.

ولكن مع امتداد حقبة الهيمنة تلك، قد يأتي التحرك نفسياً بحتاً من جانب جمهور الفريق المُظفّر، فأي عاشق لكرة القدم يتمنى أن يشاهد فريقه وهو يقهر الكبار في طريق التتويج، وكلما زاد عناء الرحلة، كلما تضاعفت لذة التتويج، فما القيمة من تتويج متكرر بسيناريو شبه متطابق في كل موسم، ولقب يأتي على حساب أشباه منافسين؟.

وهذه الحالة قد تنطبق على وضعية الدوري الإيطالي في المواسم الأخيرة، البطولة التي كانت الأفضل عالمياً في تسعينيات القرن الماضي، أصبحت ملكية خاصة ليوفنتوس خلال سنوات متتالية، وأُضيف إليها لقب الكأس، لتحتل السيدة العجوز صدارة المشهد الكروي في إيطاليا وبلا أي مضايقة تذكر.

وفي هذا السياق، ليس من المستبعد أن يتعاطف جمهور يوفنتوس مع الخصوم، ويتمنى لهم التوفيق والسداد، لإضافة خلطة الإثارة على رحلة فريقهم من أجل الدفاع عن لقبه، متأثراً بمتلازمة ليما، حيث يتعاطف الجاني مع ضحاياه الذين تعرضوا لقسوته، خاصة وإن كانت تلك القسوة قد امتدت لسنوات عديدة.

يوفنتوس

أزمة التعرض الإنتقائي

لضمان واقعية ودقة استفتاء ما، يجب أن تكون الشريحة المستهدفة منه هي شريحة عشوائية، من أجل تناول موضوع هذا الاستفتاء من وجهات نظر مختلفة، حينها تكون نتيجته أقرب إلى المنطق.

أما التعرض الإنتقائي فهو سؤال شريحة معينة ومحددة سلفاً عن قضية ما، هذه الشريحة تتخذ موقفاً موحداً تجاه تلك القضية، وبالتالي تكون النتيجة منحازة تماماً.

وفي قضية الكرة الإيطالية تحديداً عادة ما يتكرر هذا التعرض العشوائي من أجل تقييم البطولة فنياً وجماهيرياً، وعلى صعيد المنافسة أيضاً.

ولذلك تأتي نتائج أي تقييم سلبية وغير معبرة عن الواقع، فمن الجانب المعارض عادة ما تسمع كلمات مثل ”الجمود التكتيكي، الكرة الدفاعية، الملل، العقم الهجومي، التكتل المبالغ فيه، سوء الملاعب وغياب المتابعة“ عند الحديث عن الكالتشو، وما أسوأ أن تنبعث هذه الكلمات من أفواه أشخاص لم يشاهدوا مباراة واحدة في الدوري الإيطالي، ولكن الخرافة تتأصل بدافع التكرار.

في حين تمطرنا الأقلام العاشقة لإيطاليا بمبالغات عبثية لا أساس لها من الصحة، وتجد من يستفيض في الحديث عن استمتاعه بمباراة بين فريقين فشلا في تسجيل الأهداف خلال ٥ جولات متتالية مثلاً، معبراً عن إعجابه الشديد بقدرات أحد مدربي الفريقين، وبالبحث عن تاريخ هذا المدرب ستجد أفضل إنجازاته قيادة أحد الأندية للنجاة بأعجوبة من الهبوط للدرجة الثالثة، هذا كله لن تجده إلا في إيطاليا.

يوفنتوس

تحسين الصورة وقتل الملل

ومن أجل تحسين الصورة السلبية الراسخة في أذهان من لا يتابع كرة القدم الإيطالية، وما أكثرهم حالياً بسبب تراجع الشعبية، تجد هذا التحالف المنطقي من أجل إقصاء يوفنتوس عن عرش الصدارة، في كل موسم يطالب الجميع برأس السيدة العجوز وإنهاء الهيمنة، وعادة، بل دائما، تفشل جميع المحاولات، ويأتي المشهد الختامي بحفل تتويج نمطي متكرر في تورينو.

ولكن هذا الموسم قد تختلف النهايات، فسوق الإنتقالات شهد طفرة كبرى، وإن كان يوفنتوس هو بطل الميركاتو أيضاً بصفقة ضم كريستيانو رونالدو وما جاورها من تعزيزات، إلا أن أندية الصدارة جميعاً قامت بمجهود كبير جداً لا يمكن إغفاله.

فتسلح إنتر بترسانة جديدة قد تغير وجه التاريخ في ميلانو، واستفاق ميلان من كبوة مالية كادت تطيح به من الدوري الأوروبي، واستفاد من الأزمة وأعاد معشوق جماهيره باولو مالديني إلى المسرح الكروي مرة أخرى، أما نابولي فقد سئم كرة ساري الجميلة واختار البحث عن الألقاب بإنتداب الخبير كارلو أنشيلوتي، والذي يراهن الجميع عليه في بناء أمجاد الجنوب.

أما روما فقرر الإبتعاد عن الصفقات الفردية المدوية، واختار بناء فريق متكامل قد يواصل الطريق الأوروبي الذي بدأه دي فرانشيسكو الموسم الماضي.

الجميع استعد جيداً لمعركة الموسم الجديد، وسنتناول الشكل المتوقع لكل فريق في تقرير مستقل قبل انطلاقة الموسم الوشيكة،  ولكن السؤال المهم الآن، هل سينجح أحدهم في إزاحة السيدة العجوز عن عرشها؟ أم أن هذه الإستعدادات ستواجه نفس مصير التحركات الإيطالية التي تسبق كل موسم؟.  
إعلان