تحليل | طه عماني | فيس بوك | تويتر
عكس توقعات الكثيرين، اجتاز باريس سان جيرمان عقبة منافسه الأول في مجموعة دوري أبطال أوروبا بايرن ميونيخ بسهولة منقطعة النظير، وتفوق عليه بثلاثة أهداف نظيفة مع الرأفة في اللقاء الذي لُعب لحساب الجولة الثانية من دور المجموعات على أرضية ملعب حديقة الأمراء.
|
باريس سان جيرمان | الفرديات صنعت الفارق، والفريق غير مثالي
|
Getty Images◄قدّم باريس سان جيرمان مباراة كبيرة جدًا في الشق الهجومي خاصة، فقد استغل أسلحته بشكل مثالي جدًا لضرب بايرن ميونيخ في مقتل، فاستباح دفاعاته وخلق بدل الفرصة وابلًا من الفرص ولو كان نيمار موفقًا في اللمسة الأخيرة لربما انتهت المباراة بنتيجة تاريخية، وفيما يلي سنذكر الأسباب التي أدّت إلى ذلك السيناريو.
◄هناك شيء أكيد يجب أن نتفق عليه قبل أن نمضي قدمًا في هذا التحليل: باريس سان جيرمان استفاد كثيرًا من هدف التقدم المبكر جدًا الذي سجله عن طريق داني ألفيش، ذلك الهدف كان في رأيي سببًا مُباشرًا في انتهاء المباراة بثلاثية نظيفة، لأنه أجبر الفريقين على تبادل الأدوار، ليتحول البايرن من فريق يدافع ويبحث عن المرتدات إلى فريق يهاجم ويأخذ المبادرة والعكس صحيح بالنسبة لباريس سان جيرمان.
◄فمباشرة بعد هدف داني ألفيش، قدم أنشيلوتي خطوطه إلى الأمام بشكل لا يُمكن وصفه سوى بالمتهور، وهي نقطة سنتطرق لها في الجزئية المتعلقة ببايرن ميونيخ، وعند تقديم الخطوط، إما تتحرك كمجموعة واحدة مع البقاء على خطوط متقاربة والمغامرة بالمساحات في ظهرك، أو تترك خط وسطك يتقدم كما حصل اليوم، فيظهر شرخ كبير بين خط الدفاع وخط الوسط.
◄ضغط البايرن المتقدم في رأيي كان كارثيًا، لأنه ببساطة لم يكن فعالًا أمام فرديات باريس سان جيرمان الجبارة. باريس الذي ناقش أطوار اللقاء لفترات طويلة من الوضع الدفاعي واعتمد على المرتدات السريعة الخاطفة استفاد أيما استفادة من انطلاقات نيمار ومبابي من الخلف وتفوقهما في المواجهات الثنائية من أجل تخطي خط وسط الفريق البافاري، وهو أمر نجحوا فيه بشكل كبير، ليجدوا أنفسهم مرارًا في وضعية تفوق عددي عندما ينضم إليهم كافاني والظهيرين اللذين ينطلقان كالسهم نحو المرمى بعد استعادة الكرة.
◄تلك النقطة بالذات كانت مربط فرس مباراة اليوم، والحقيقة أنني لن أكون قد بالغت إن قلت إن بايرن ميونيخ ناقش اللقاء من دون خط وسط حقيقي، ولن أبالغ أيضًا إن قلت أن جماعية باريس اليوم لعبت دورًا أقل بكثير من فردياته، فلولا تواجد لاعب بمواهب وسرعة نيمار ومبابي، ودقة تمريرات فيرّاتي لما حصلت تلك الاستفادة من المساحات بين خط وسط ودفاع الفريق البافاري.
◄كما قلت في بداية هذا التحليل: باريس سان جيرمان قدم مباراة هجومية كبيرة، لكنها لم تكن كذلك دفاعيًا، والغريب أن البايرن استغرق وقتًا طويلًا حتى يفهم ذلك ويحاول استغلاله. الفريق الباريسي عانى من مشاكل كثيرة في الرواقين، فالعمل الدفاعي لمبابي ونيمار كان قليلًا جدًا، وداني ألفيش رفقة كورزاوا كانا يضمان باستمرار لداخل منطقة الجزاء ويتركان مساحات كبيرة جدًا في الأروقة، وهو أمر كان استغلاله صعبًا جدًا نظرًا لطبيعة اللاعبين الذين شاركوا في الشوط الأول وللتحفظ الدفاعي الذي اتسم به أداء ألابا خاصة، فيما أضاف كومان وبعده روبن بعض الخطورة للفريق بعد المشاركة، لكن اللمسة الأخيرة كانت كارثية.
◄إلى اليوم، لم تمر مباراة واحدة دون أن يجعل نيمار برشلونة يتحسر على رحيله. النجم البرازيلي يقدم مستويات كبيرة جدًا ويظهر مهارات فردية خارقة للعادة تجعله حتمًا في زمرة ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو حاليًا، ولو طور اللمسة الأخيرة سيُصبح حتمًا منافسًا لهما على الكرة الذهبية. من الأمور التي تميز نيمار أنه يأخذ قرارات من الصعب جدًا على المدافعين توقعها، واليوم كرر الأمر في أكثر من مناسبة، كتمريرته الخلفية لكافاني في إحدى أجمل فرص المباراة.
◄مبابي كذلك عاد ليؤكد أن ما قادمه الموسم الماضي لم يكن صُدفة، فتفوق اليوم أيما تفوق على دافيد ألابا وكيميتش بعد أن غير مكان لعبه أكثر من مرة. ما يميز الفرنسي أنه يمتلك مجموعة من الصفات التي ستجعله حتمًا أحد كبار اللعبة، فقد أظهر اليوم إيثارًا كبيرًا اتجاه زملائه، وعادة ما فضل خيار التمرير على خيار التسديد أو المراوغة، كما أن تحركاته كثيرًا ما كانت موفقة واستمت بذكاء وفاعلية كبيرتين. باريس محظوظ بذلك الثنائي الذي كان سببًا مباشرًا في فوز اليوم.
◄لكن ما دور خط وسط باريس اليوم؟ دوره اقتصر في مناسبات كثيرة على الجانب الدفاعي، ما جعل المساحات في العمق شبه منعدمة أمام بايرن ميونيخ. رابيوت، تياجو موتا وفيراتي لم يظهروا في الصورة كثيرًا، لكن العمل الذي قاموا به خدم الفريق كثيرًا وجعل ليفاندوفسكي مثلًا منعزلًا عن البقية. رابيو وفيراتي ظهرا في بعض المناسبات في ضغط مباغت على لاعبي البايرن وتمكنا من افتكاك كرات في مناطق جيدة جدًا من أرضية الملعب.
|
بايرن ميونيخ | أنشيلوتي يناقض نفسه، وحان وقت انخراط البايرن في اللعبة السوداء
|
Gettyimages◄مع الوصول لفقرة بايرن ميونيخ، سنجد أنفسنا قد ذكرنا مجموعة من الأمور التي تخص الفريق البافاري والذي كان أقل بكثير من المتوقع وافتقد للنقطة التي يبني عليها أنشيلوتي فرقه ودائمًا ما يُصر عليها لا في تصريحاته ولا في كتبه «التوازن». أنشيلوتي يقول في أحد كتبه أنه امتلك هجومًا جبارًا عند وصوله للريال، لكن كان عليه العمل على جعل الفريق كله يدافع عند فقدان الكرة وهي أصعب مهمة واجهته هناك، أما في ميلان، فقد وجد دفاعًا قويًا، وكان عليه أن يجعل التحول الهجومي للفريق أكثر جماعية حتى يواصل الفريق كمجموعة واحدة.
◄سيدي أنشيلوتي، أين كل ذلك اليوم؟ أين التوازن عندما انطلق فيدال وتوليسو إلى الأمام من أجل الضغط بـ5 لاعبين على دفاع باريس في مناطقه تاركًا خافي مارتنيز مفضوحًا؟ أين التوازن حينما اقتصر دور ألابا في شوط كامل على الدور الدفاعي رغم أن المساحات أمامه في الأروقة كانت شاسعة؟ أين التوازن حينما وجد نيمار، كافاني ومبابي أنفسهم مرارًا في وضعية ثلاثة لاعبين ضد ثلاثة؟ الفريق البافاري كان اليوم شبحًا لنفسه ولتاريخه، ولا أعتقد أن إدارة النادي ستصبر كثيرًا على كارليتو إن تواصل الوضع على ما هو عليه.
◄لست ممن يحبون تعليق شماعة الهزائم على المدربين وحدهم دون اللاعبين، لكن أنشيلوتي اليوم سيّر اللقاء بشكل سيء جدًا. تلقي هدف مبكر ليس أمرًا سيئًا إن تعاملت معه بهدوء ولم تغير كل ما عملت به في حصص المران لتلعب 89 دقيقة بطريقة تخرج اللاعبين تمامًا من اللقاء. أتفهم أن البايرن أراد ردة فعل سريعة وأن لاعبيه انساقوا وراء كرامتهم ورغبتهم في فرض شخصيتهم، لكن أين هو دور المدرب في إعادتهم إلى رشدهم؟ ما شاهدناه من تسيب تكتيكي في مباراة اليوم يُلام عليه المدرب قبل اللاعبين الذين يبقون بلا شك شركاء في الجريمة.
◄من بين رجال المباراة المخيبين، أستطيع أن أذكر توليسو دون أن أتردد كثيرًا، وهو الذي كان الحاضر الغائب طيلة الشوط الأول وكان من بين أسباب انهيار خط وسط البايرن بتلك الطريقة. لكن الإصلاح أو الهدم لا يُمكن أن يكون بسبب لاعب واحد، مشكلة البايرن كانت بالأساس تكتيكية، ثم بسبب المستوى الفردي لبعض اللاعبين على غرار رودي الذي أظهر أنه لا يليق بفريق مثل البايرن.
◄لم أفهم كثيرًا إصرار الفريق في بنائه الهجومي على العمق رغم المساحات الكبيرة في الأروقة. دخول كومان وبعده روبن بشكل متأخر لم يفد الفريق كثيرًا لأن منظومة الفريق وطريقة البناء الهجومي لم تتغير. إصرار عجيب على تسديدة بعيدة بلا معنى أو محاولات لضرب الدفاع بتمريرات في العمق، فيما كانت الانطلاقات القليلة في الأروقة وراء أخطر فرص البايرن اليوم.
◄عمومًا، أعتقد أن البايرن لا يبصم على بداية موسم جيدة، واليوم ظهر فرق شاسع بينه وبين باريس سان جيرمان لا تكتيكيًا ولا جودة، وربما قد نرى رومنيجيه أو هونيس يخضعون لقانون السوق مستقبلًا ويقومون باستثمارات كبيرة حتى يعودوا إلى الطريق الصحيح خاصة قاريًا. التعاقد مع أجود اللاعبين في العالم بات يحتاج للكثير من المال، ورفض البايرن الانخراط في ذلك قد يضر به بشكل مباشر خاصة أن كل منافسيه لا يترددون في دفع الكثير لتدعيم صفوفهم.