Massimiliano Allegri Juventus coachGetty Images

ماسيميليانو أليجري.. ثقافة تعليق الفشل على شماعة الكرة الجميلة


يوسف حمدي    فيسبوك      تويتر


"سنلعب غدًا من أجل الوصول إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، لا تسألوني عن جودة الأداء، من أراد المتعة فليذهب إلى السيرك" ... ماسيميليانو أليجري، إبريل 2015، عشية مواجهة يوفنتوس أمام موناكو في إياب ربع نهائي دوري الأبطال.

الموضوع يُستكمل بالأسفل

منذ ذلك الحين وأنا أبحث عن المتعة في السيرك، ولكنني لم أجدها بنفس المقدار الذي وجدته بها في كرة القدم، ليالي دوري الأبطال والدوريات الخمسة الكبرى تكون أفضل بطبيعة الحال، ومشجع كرة القدم الحقيقي يعرف ذلك جيدًا، وفي كل مرة يبحث عن المتعة لا يجدها إلا مع الكرة، لذا فاقتراح الذهاب إلى السيرك ليس مثاليًا من ماسيميليانو.

ما الذي حدث؟ 4 أعوام كاملة مرت منذ إطلاق هذا التصريح للمرة الأولى، هذا الذي أعلن معه ما اعتقد فيه العديد من المدربين الدفاعيين، ولكن أليجري كان أكثر شجاعة في البوح به دون مجملات، وهو بالمناسبة الشيء الوحيد الذي ظهر فيه أليجري شجاعًا، هذه هي كرة القدم التي سألعبها، واحكموا عليّ  فقط بما ستؤول إليه النتائج.

الأمور لم تتوقف هنا، فبين السطور كان لحديث أليجري بقية، وعلى الرغم من أن بدايته يبدو منطقيًا، إلا أن ختامه لا يبدو كذلك على الإطلاق، أليجري دون أن ينطق قال الكثير من الأشياء، وربما لو أكمل حديثه متحليًا بالشجاعة ذاتها لقال إن هذه كرة القدم التي سيلعبها أيًا كانت المعطيات، سواء كان يمتلك بادوين وباتريس إيفرا المسن أو كانسيلو و أليكس ساندرو، سواء كان الحلقة الأضعف بين الكبار في إيطاليا مع ميلان أو الأقوى ربما في أوروبا كلها حاليًا، سواء كان يوفنتوس هذا لا يعرف طريق النجاح في أوروبا مع كونتي أو كان فريقًا لعب نهائيين من أصل آخر 4 نهائيات أوروبية، سواء كنت تلعب ضد كريستيانو رونالدو أو تحول صاروخ ماديرا إلى أحد أفراد فريقك، كل هذا لا يهم، المنتج النهائي الذي سأقدمه في كل هذه الحالات لن يختلف، حتى لو تبدلت كل هذه المعطيات من اليمين إلى اليسار في ظرف 4 مواسم ونصف.

لماذا إذًا أعدنا فتح هذه الملفات القديمة؟ ببساطة لأن تصريحات مشابهة قد خرجت من فم أليجري مرة أخرى، يوفنتوس تعادل مطلع الأسبوع الحالي مع بارما بثلاثة أهداف لمثلها، بعد أيام قليلة من خسارته المؤلمة أمام أتالانتا بثلاثية أخرى في كأس إيطاليا، الأمور تبدو سلبية، لذا فلنبحث عن شماعتنا المفضلة التي نستخدمها دومًا في المواقف المشابهة؛ ألا وهي كرة القدم الجميلة، والتي بالمناسبة لا يراها أليجري ورفاقه جميلة كما يظن أصحاب هذا المصطلح.

"لقد دفعنا ثمن تقديمنا لكرة قدم ممتعة كما يحب المشجعون، غالبًا الكرة الجميلة لا تؤتي ثمارها في النهاية" هكذا علق أليجري على التعادل المخيب للآمال أمام بارما، والذي جاء بعد تقدمه بثلاثة أهداف مقابل هدف، ومن ثم تلقي هدفين نتيجة سوء تمركز روجاني وخطأ في تشتيت الكرة من ماريو ماندزوكيتش، ومن اللقطة الثانية اقتبس أليجري تصرف المهاجم الكرواتي ليبرهن به على صحة مقولته السطحية، حيث علق: "في الدقيقة الأخيرة كان لا بد أن يقوم ماندزوكيتش بتشتيت الكرة إلى المدرجات، هذا تصرف منطقي في هذه الحالات" ومن هنا رأى أليجري أن مهاجمه الكرواتي حاول لعب كرة قدم جميله بتمرير الكرة إلى زميله، وكان عليه اللجوء إلى الواقعية وتشتيت الكرة إلى المدرجات، الجدير بالذكر أنه لم يكن يمزح، لقد تأكدت من ذلك حين أعدت مشاهدة تصريحاته لشبكة دازن الإيطالية مرة أخرى.

في مثل هذه الحالات نجد أنفسنا مطالبين بالحديث حول أشياء بديهية للغاية، فإذا كان أحد عرابي التكتيك في العالم يرى أن كرة القدم الجميلة لا تؤتي ثمارها لأن لاعبه مرر الكرة على الخط ولم يرسلها إلى المدرجات، فماذا علينا نحن المشجعون أن نفعل، إذا كان المختص نفسه قد قرر التحدث بهذه السطحية، فما الذي سنضيفه نحن حول أهمية التفاصيل.

هنا أليجري وقع في مغالطة عامة، من الممكن أن تحذف أسماء أليجري وماندزوكيتش ويوفنتوس وبارما وتستبدلها بأسماء أخرى، في حال تكرر تصريح آخر وددت البرهنة على سطحيته، لأن تصرف ماندزوكيتش في لقطة الهدف الثالث لا يمكن أن يعبر عن كرة القدم الجميلة أو القبيحة، لا يمكن أصلًا استخدام لقطة كتلك للبرهنة على أي شيء، فمن الممكن أن يكون ماريو قد قصد التشتيت ولكن الكرة هربت من أقدامه، ومن الممكن أن يقرر التمرير في لحظة أخرى ويحدث العكس، ومن الممكن أن يحدث ما حدث ومن ثم يرسل جيرفينيو الكرة في المدرجات ولا يسجل التعادل، هل ستنتصر حينئذٍ الكرة الجميلة على واقعية أليجري؟ الخلاصة أن لقطة هامشية كتلك لا تستحق الذكر أصلًا، وإن استحقته فهي ستستدعي فقط الجلوس مع ماريو والتحدث معه قليلًا حول قراراته المقبلة في اللحظات المشابهة.

هل انتهينا؟ لا، انتهينا فقط من الرد على المغالطة العامة، وحان الآن موعد شخصنة الأمور لتوضيح تناقض أليجري مع ذاته، بعد الانتهاء من توضيح تناقضاته مع المنطق بشكل عام، سنضطر هنا إلى استعادة مشاهد الإخفاق الأخيرة في دوري أبطال أوروبا، وكيف سقط بالثلاثة أمام ريال مدريد العام الماضي حين تراجع للدفاع، وكيف فاز بالثلاثة بعدها بأسبوع حين لعب كرة قدم جميلة، وكيف عاد ليستقبل هدفًا ويخسر في المباراة ذاتها حين لجأ إلى الدفاع مرة أخرى بعد تسجيل ثالث الأهداف.

الأمر لم يقف عند هذا الحد، استمر في السير مع الماضي إلى موسم 2016، وتحديدًا مباراة يوفنتوس أمام بايرن ميونيخ في دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا، حينها أنهى يوفنتوس مباراة الذهاب في تورينو بالتعادل بهدفين لمثلهما، ومن ثم دخل مباراة الإياب أمام بيب جوارديولا نفسه بشجاعة ورغبة في السيطرة جعلته يسجل هدفين في قلب أليانز أرينا، ويخرج نوير مثلهما من قلب المرمى ببراعة غير عادية، ويلغي الحكم هدفًا صحيحًا حينها لموراتا، الذي أصاب العارضة بعد هدفه الملغي، كل هذا أمام حيرة بيب جوارديولا الذي فشل في مجاراة النسق الجنوني لرجال أليجري طيلة شوط كامل، مع التأكيد على اسم جوارديولا حتى ندرك حجم ما قام به ماسيميليانو ليلتها.

Massimiliano Allegri Juventus Milan SupercoppaGetty Images

في الشوط الثاني لجأ أليجري إلى الحل السحري الخاص به، لجأ إلى الواقعية وقرر إيقاف محاولاته الهجومية واستبدال عناصره النشطة هجوميًا ــ كوادرادو وموراتا ــ بعناصر دفاعية ــ خضيرة وستورارو ــ من أجل إعطاء التوازن، وإضفاءً للمسته الواقعية التي تجلب البطولات، تلك التي لا يجلبها الهجوم اللعين الذي يذهب بنا جميعًا إلى السيرك، ماذا كانت النتيجة بعد ذلك؟ 4 أهداف سجلها بايرن ميونيخ في أقل من 60 دقيقة، للأسف يا ماسيميليانو هذا هو مصير الجبناء في أي شيء، لا في كرة القدم فقط.

القصة مع أليجري ليست في امتلاكه للعناصر والمفاتيح أو عدمه، القصة تكمن في معادلة صرح بها مدرب إيطالي مغمور العام الماضي، حين قال إن المتعة بالنسبة له في كرة القدم تكمن في مشاهدة الخصم يقعل كل شيء ولا يستطيع الوصول إلى المرمى، حينها يكون هو قد أعطى تعليماته للاعبيه بالوقوف في الخلف فقط ومنع الخصم من التقدم، ليس ذلك فقط، بل أن المتعة تصل ذروتها ــ بالنسبة له أيضًا ــ حين يقطع مدافع فريقه الكرة ويرسلها إلى المدرجات أمام حسرة لاعبي الخصم، على الأرجح لهذا السبب لم يفكر هذا المدرب المغمور في التعاقد مع ماريو ماندزوكيتش.

رسالة إلى بيب جوارديولا.. حتى لا يضحك عليك التاريخ مرة أخرى

كل شيء يجب أن يخضع للمعطيات، بما في ذلك كرة القدم، كونها جزء لا يمكن اقتطاعه من الحياة، في 2015 كان التحفظ منطقيًا، أما الآن وأنت المرشح الأبرز للفوز بدوري أبطال أوروبا يبدو هذا سخيفًا أمام بارما وفروزينوني وإيمبولي، خاصة حين تكون أنت كمدرب قد لعبت كرة قدم أكثر جرأة مع ميلان، وبعناصر لا تساوي قيمتها ربع قيمة العناصر التي تمتلكها الآن في يوفنتوس، الخلاصة فقط في أن تدرك أن الفشل مع ميلان مؤخرًا كان سببه غياب العناصر التي تستطيع المنافسة، لا لأنك لم تكن تمتلك لاعبًا يرسل الكرة إلى المدرجات أمام بارما في الدقيقة الأخيرة، وأن تدرك أيضًا أن تصريحك الأخير يتضمن اعترافًا منك بأن كرة القدم التي تقدمها هي كرة قبيحة، لذا لا تحاول الدفاع عن نفسك فيما يخص هذه النقطة منذ هذه اللحظة فصاعدًا.

إعلان