كان المشهد في دبي رمزيًا إلى أقصى حد: جوان لابورتا يقف مبتسمًا على مسرح جلوب سوكر ليتسلم جائزة أفضل لاعب في الدوري الإسباني، بينما يكتفي صاحب الإنجاز، رافينيا، بالظهور عبر شاشة فيديو مسجلة.
هذا الغياب الجسدي للنجم البرازيلي، وحضور الرئيس لرفع الكأس، يلخص ببراعة الحالة الغريبة التي يعيشها برشلونة؛ حيث تطغى حسابات الإدارة ومشاكلها على توهج النجوم.
هذه الجائزة هي إعلان براءة لموهبة تعرضت لظلم فادح قبل أسابيع قليلة في سباق الكرة الذهبية، حيث قبع رافينيا في المركز الخامس. ولكن، إذا فتشت خلف الكواليس، ستدرك أن الجاني ليس لجنة تحكيم ظالمة، بل هو شبح رجل واحد ما زال يسكن كامب نو رغم رحيله: جوسيب ماريا بارتوميو.
الأمر ليس سرًا؛ ففي برشلونة اليوم، المجد الفردي له تسعيرة لا تستطيع خزينة النادي تحملها. التقارير القادمة من إنجلترا وإسبانيا تكشف الحقيقة المرة: عقد رافينيا يتضمن بندًا يمنح ناديه السابق ليدز يونايتد ما يقارب 10 ملايين يورو في حال فوزه بالكرة الذهبية.
تخيل سخرية القدر.. نادٍ عملاق، يجد نفسه في موقف يتمنى فيه ضمنيًا ألا يتوج نجمه الأول بالجائزة الأغلى، لأن الفرحة ستكلف الخزينة المنهكة مبلغًا يكفي لتسجيل لاعب جديد!
هذا يفسر بوضوح لماذا تحركت الآلة الإعلامية للنادي لدعم الموهبة الشابة لامين يامال ووضعه في الواجهة كمرشح أول. يامال هو ابن الدار، ومجده مجاني، بل ومربح.. أما مجد رافينيا فهو دين جديد مستحق الدفع.
ومن يظن أننا نبالغ، عليه أن يستمع لما قاله روبرت ليفاندوفسكي بلسانه. المهاجم البولندي اعترف بما يشبه الصدمة أنه طُلب منه إدارة مجهوده في نهايات موسم 2023 والتوقف عن التسجيل الغزير، لأن الوصول لرقم معين من الأهداف كان سيكبد النادي ملايين إضافية تذهب لبايرن ميونخ، تخيل أن يُطلب من ماكينة أهداف أن تتعطل عمدًا لأن السيولة لا تسمح!
هنا تكمن المأساة الحقيقية. نحن لا نلوم الإدارة الحالية بقيادة لابورتا -الذي وقف سعيدًا بالجائزة المجانية في دبي- لكونها رخيصة ولن تكلفه شيئًا، بل نشفق عليها لأنها تدير مؤسسة مكبلة بأصفاد الماضي.
نحن أمام تركة ثقيلة ورثها النادي من حقبة بارتوميو السوداء، الرجل الذي أغرق النادي في عقود فلكية وسقف رواتب فوق مدخلات الفريق الطبيعية.
بارتوميو لم يدمر الحاضر فقط وقتها، بل دمر المستقبل أيضًا، صحيح أن لابورتا هو من صاغ عقودًا تجعل النادي يدفع ضريبة النجاح أضعافًا مضاعفة واليوم، يدفع نجوم بحجم رافينيا وليفاندوفسكي ثمن تلك السياسات من رصيدهم المعنوي وتاريخهم الفردي، لكن في النهاية فعلها الرئيس الحالي مضطرًا لأنه لا يستطيع مقارعة ريال مدريد وباريس سان جيرمان في سوق الانتقالات الطبيعي ببنوده التي تكون في متناول بقية الأندية.
رافينيا هو الأفضل في الليجا باعتراف العالم، وكان يجب أن يكون الأقرب للكرة الذهبية باعتراف الأرقام وليس في هذا أي إنقاص من يامال، لكن في برشلونة ما بعد بارتوميو، الآلة الحاسبة هي التي تختار من يصعد للمنصة، والديون هي الحكم الوحيد الذي لا يقبل الاستئناف.
مبروك لرافينيا إنصافه المتأخر عن بعد، ولكن العار كل العار لتلك السنوات التي حولت برشلونة من نادٍ يصنع الأساطير، إلى نادٍ يخشى أن يتوجوا بالذهب حتى لا يدفع ثمنه.
بيت القصيد
إن ما نراه اليوم هو أغرب مفارقة قد تعيشها جماهير كرة القدم: نادٍ يُعاقب حرفيًا على نجاح تعاقداته، فرافينيا لم يخطئ حين تألق، وليفاندوفسكي لم يقصر حين سجل، لكنهما يلعبان في زمن اقتصادي مقلوب داخل كتالونيا، أصبحت فيه الأهداف والجوائز تُوزن بميزان اليورو والدولار.
الدرس هنا مؤلم ولكنه واضح: طالما ظلت ديون حقبة بارتوميو وما تلاها من تعاقدات اضطرارية في حقبة لابورتا تخنق عنق النادي، سيظل ملف الإكسيل هو المدرب الخفي الذي يقرر من يسدد، ومن يتوقف، ومن يُسمح له باعتلاء المنصات، ومن يُطلب منه البقاء في الظل توفيرًا للنفقات.
.png?auto=webp&format=pjpg&width=3840&quality=60)

