إيلاش موريبا نفسه لم يصدق ما حدث!
اللاعب البالغ من العمر 18 سنة سجل هدفه الأول الاحترافي له لبرشلونة بقدمه اليسرى الضعيفة، ثم قفز نحوه ليونيل ميسي من أجل تهنئته.
موريبا قال لتليفزيون برشلونة بعد فوز الفريق 2/0 على أوساسونا في 6 مارس الجاري:"لا يمكن نسيان ما حدث، هذه اللقطة ستظل في ذهني حتى الموت".
اللحظة لم تكن خاصة بالنسبة للاعب فقط، ولكن احتضان ميسي له كان يرمز إلى ماضي الفريق وحاضره ومستقبله أيضًا، في تعبير عميق لوحدة أكاديمية لاماسيا من جديد.
بعد 24 ساعة فقط من لقطة موريبا الرائعة، تم انتخاب جوان لابورتا رئيسًا لبرشلونة للمرة الثانية، بعد أن شغل المنصب سابقًا بين عامي 2003 و2010.
انتصر وقتها لابورتا ليتعهد باستعادة القيم التقليدية للنادي، بعد عقد من التدهور والانهيار الواضح في سمعة زعيم كتالونيا.
العقد شهد العديد من الأحداث، كان أهمها تغيير الراعي الرسمي لقميص الفريق، بالإضافة لصفقة نيمار سيئة السمعة من سانتوس، والتي أدت إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد ساندرو روسيل واستقالته.
وفي وقت لاحق من العام تعرض برشلونة للحظر من الانتقالات بسبب صفقات اللاعبين القاصرين، قبل أن يزداد الجدل من خلال قضية "بارسا جيت" والتي تورط فيها الرئيس المستقيل جوسيب بارتوميو.
كل هذه الأحداث عكست الانهيار الأخلاقي والمالي الذي مر به برشلونة، وكأنه يقوم بتدمير نفسه بصورة ذاتية.
Getty/Goalلابورتا تعهد بالعودة إلى الأساسيات، كما قال لموقع جول أثناء حملته الانتخابية لولايته الثانية، حيث جاءت الملامح الأساسية من خلال "كرويف، لاماسيا، كتالونيا، اليونسيف ومنظمة احترافية".
مناصرة أكاديمية الشباب لعبت دورًا محوريًا بشكل خاص للانتصار الساحق له بالطبع، لأن برشلونة لم يعد قادرًا على الإنفاق الضخم في سوق الانتقالات.
بارتوميو ترك النادي وهو على وشك الإفلاس، بعدما أهدر ما يقرب من 400 مليون يورو على ضم فيليب كوتينيو وعثمان ديمبيلي وأنطوان جريزمان.
لذلك الاعتماد على الأكاديمية يعتبر في غاية الأهمية، ولابورتا نفسه قام بنفس الشيء عندما قرر تعيين بيب جوارديولا كمدرب للفريق في 2008.
بيب كان مدربًا للفريق الثاني وعمره 37 سنة فقط، ولم يكن لديه أي خبرة سابقة في التدريب على أعلى مستوى، ولكنه كان يمثل روح النادي الكتالوني.
جوارديولا تم تشكيله من قبل أكاديمية تبنت تعاليم يوهان كرويف صاحب مفهوم كرة القدم الشاملة، حيث جلب هذا المصطلح إلى كامب نو في السبعينات.
كرويف عندما عاد إلى النادي في 1988 ظهر دون سابق إنذار في مباراة للفريق الثاني، وقد صدم وقتها من أسلوب لا تشوبه شائبة وسلوك لا يقاوم لشاب يبلغ من العمر 17 سنة ويلعب في خط الوسط.
سأل عن اسمه وقتها ليعرف أنه جوارديولا، لينصح الهولندي بنقل اللاعب أمام خط الدفاع، وبعدها بعامين فقط كان من أهم أعضاء فريق الأحلام الخاص بكرويف في برشلونة.
Getty/Goalجوارديولا فعل الشيء نفسه مع سيرجيو بوسكيتس، عندما تولى منصبه بعد عقدين من الزمن، حيث شرع في تفريغ النجوم باهظة الثمن وقام ببناء فريقه من خلال منتجات الأكاديمية.
النتيجة كانت مبهرة عن طريق أحد أعظم الفرق في تاريخ برشلونة وكرة القدم، حيث احتل ليونيل ميسي وأندريس إنييستا وتشافي المراكز من الأول إلى الثالث في تصنيف الكرة الذهبية في 2011.
وتعتبر هذه المرة الوحيدة في التاريخ، التي تذهب فيها هذه المراكز إلى لاعبين من نفس الأكاديمية، في تجسيد واضح لما قام به النادي الكتالوني وقتها.
وفي العام التالي قام تيتو فيلانوفا خليفة جوارديولا بالاعتماد على 11 لاعبًا كأساسيين من أكاديمية لاماسيا أمام ليفانتي، قبل أن يغادر لظروف صحية في صيف 2013.
فيلانوفا توفى في إبريل 2014 وعمره 45 سنة، وتسبب موته في تدمير كل ما هو مرتبط بالنادي، حيث كان انعكس ذلك بالسلب على أكاديمية برشلونة.
فشل بارتوميو والمدربون الذين قام بتوظيفهم لاحقًا في إعطاء نفس الأهمية للأكاديمية، ليتضاءل التأثير بالتدريج.
عندما انضم ميسي إلى برشلونة كان عمره وقتها 13 سنة، وأطلق عليه زملاؤه لقب "القزم"، حيث بلغ طوله 1.50 متر فقط وفقًا لزميله السابق روجر جريبيت.
ولحسن الحظ أن برشلونة وقتها كان مهتمًا أكثر بالنواحي الفنية لكل لاعب أكثر من اللياقة البدنية، قبل أن تتغير المعايير في عهد بارتوميو.
عضو سابق بالجهاز الفني للاماسيا قال لموقع جول في 2017:"فكرة النادي مختلفة عما كانت عليه من قبل، الآن تسمع البعض يقول في الاختبارات:"إنه صغير جدًا في الحجم يا له من عار".
وأضاف:"في هذه الأيام يبحثون عن لاعبين أقوياء وليس لاعبين موهوبين، عكس ما كنا نفعله بتعليم اللاعبين المنافسة واحترام اللعب النظيف، كرويف كان يسأل دائمًا عن الطريقة التي نلعب بها ولم يسأل أبدًا عن النتيجة".
واستكمل:"الفريق الثاني لبرشلونة يلعب من أجل الفوز وهذا لا يناسب اللاعبين في قيد التطوير".
Getty/Goalولا عجب إذن أن النادي بدأ يفقد لاعبي الأكاديمية بشكل ملحوظ، حيث بدأ النزوح الجزئي بسبب الوعود بعقود أكبر من الدوري الإنجليزي وباقي الدوريات الأخرى.
جيرارد بيكيه وسيسك فابريجاس رحلا لهذا السبب عندما كانا صغيرين، لكنهما عادا في النهاية إلى برشلونة، قبل أن تبدأ المغادرة مرة أخرى من خلال سيرجيو كاناس الذي انضم إلى ليفربول في 2013 وعمره 16 سنة.
اقرأ أيضًا .. الجيل القادم - NxGn 2021 | أبرز 50 موهبة في العالم
كاناس كان يعلم أنه في أفضل أكاديمية بكرة القدم، لكنه وجد الوعد بمسار أسهل من أجل الوصول إلى القمة ولم يستطع مقاومة ذلك.
وقال اللاعب لـ"جول":"قبل عامين من مغادرتي ذهب هيكتور بيليرين وجون تورال إلى آرسنال، كنا أصدقاء، وعند رؤيتهما يذهبان إلى هناك أعجبتني الفكرة".
وأضاف:"قلت لنفسي إذا ذهبت إلى ليفربول أو آرسنال، لن تضطر إلى اللعب بفرق تحت 17 أو 18 أو 19 سنة، الطريق طويل جدًا في برشلونة، ما لم تكن رائعًا وتسجل ثلاثة أهداف في نهاية كل أسبوع".
الأمر وصل إلى النظر لأكاديمية النادي كوسيلة لتوليد الأموال من بيع اللاعبين الواعدين، بدلًا من إنتاج نجوم بارزين محتملين للفريق الأول.
Gettyكارليس بيريز قال بعد بيعه إل روما في 2020:"إنهم يتحدثون كثيرًا عن الكانتيرا ولكنهم يفعلون العكس دائمًا في برشلونة".
النتيجة النهائية كانت رحيل العديد من الشباب مثل أداما تراوي وتشافي سيمونز، ليصل الحضيض إلى دخول برشلونة في 17 إبريل 2018 من دون أي لاعب واحد من أكاديمية النادي للمرة الأولى منذ 16 سنة.
بويان كريكيتش سبق أن اتهم النادي بخيانة الخطة التي جعلت برشلونة عظيمًا، بينما قال زميله جيرارد ديولوفيو إن قطاع الشباب تأخر بسنوات عن الأندية المنافسة.
لابورتا حاول إيقاف الفساد لأول مرة في 2015، لكنه تعرض للهزيمة بسهولة في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها بارتوميو، لتتكون وقتها الثلاثية الشهيرة بين ميسي ونيمار ولويس سواريز.
لابورتا ظل متحديًا لكل الظروف مع اقتناعه أن النادي بحاجة إلى الإنقاذ.
وقال لجول في عام 2017:"تمسكت بموقفي على الرغم من حصول النادي على الثلاثية وقتها، لأظهر أن هناك نموذجًا آخر للنجاح في برشلونة".
وأضاف:"أردت إظهار أن هذا النموذج يمكن تحقيقه بشركة راعية مختلفة، وعدم تدمير أكاديمية النادي، وهذا لا يعني الذهاب إلى السوق والتعاقد مع لاعبين بأي ثمن".
واستكمل:"أردت عودة اليونسيف مرة أخرى على قميص النادي، وأن نعود مرة أخرى للنظام الذي ابتكره يوهان كرويف وقام بارتوميو بتدميره".
Gettyوتابع:"لقد استفادوا من اللاعبين الرائعين في الفريق الأول، لكنهم لم يعملوا على جلب الدفعة التالية بصرف النظر عن سيرجي روبيرتو، على العكس، لقد باعوا لاعبين وانتهى الأمر بمغادرة البعض، نحن بحاجة إلى جلب لاعبين يتمتعون بمواهب مميزة وهناك بعض النماذج في فريق الشباب".
لابورتا لم يكن مخطئًا، فعلى الرغم من التحول الجذري في سياسة النادي، إلا أن برشلونة كان لديه العديد من اللاعبين الموهوبين وكانوا بحاجة للصبر فقط.
أنسو فاتي أثبت ذلك بشكل مذهل، حيث انفجر المهاجم السريع على الساحة في أغسطس 2019، ليصبح أصغر هداف في الدوري الإسباني مع برشلونة بعمر 16 سنة و304 يومًا.
وواصل تحطيم الأرقام القياسية في 2020، قبل أن يتعرض لإصابة في الركبة في نوفمبر الماضي، ولكن ما فعله كان كافيًا لفوزه بجائزة الجيل القادم "NXGN" المقدمة من جول.
ظهور فاتي بجوار موريبا وريكي بوتش، يمنح برشلونة الأمل في حقبة جديدة من النجاح، على أن ينضم لهم المزيد من اللاعبين مثل أنخيل ألاركون وسيرجي كولادور وأليخاندرو بالدي.
Goalوهو ما يعتبر كشعاع النور في النفق المظلم، نظرًا للوضع المالي الخطير للنادي، حيث يبلغ إجمالي الدين 1.2 مليار يورو، الأمر ليس سهلًا لتخطي هذه الأزمة وسيكون هناك المزيد من خفض التكاليف ربما من خلال بيع بعض اللاعبين.
كرويف كان يؤمن دائمًا أن كل عيب له ميزته، وهو ما ينطبق على الوضع الحالي، بسبب المشاكل الاقتصادية التي تجعل لاماسيا أكثر أهمية من أي وقت مضى، في محاولة لبناء مستقبل أكثر إشراقًا للنادي.
اقرأ أيضًا .. فاتي وبينيسون يفوزان بجائزة "NXGN 2021" كأفضل المواهب في كرة القدم
مشهد احتضان ميسي لموريبا أكد أن هذا الارتباط لم ينكسر، ولا يزال من الممكن ترتيب الأوراق وعودتها إلى مكانها الصحيح في برشلونة من خلال الأكاديمية، وكما قال لابورتا في يناير الماضي:"النموذج هو نفسه لكنه تحسن".
ولو استمر الوضع كما هو عليه بتطور هذه المواهب، سيعود برشلونة إلى القمة قريبًا، بفريق به العديد من النجوم الشباب بقيادة فاتي وموريبا.


