بيراميدز

تحقيق | الاستثمار الرياضي - بين تأييد خليجي ورفض وحقيقة صادمة من داخل مصر


تحقيق - زهيرة عادل وعبده الليثي

قَدِمَ إلى مصر ولم يكن في باله تحويل بصلته إلى الاستثمار في أحد الأندية واستحداث تجربة هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية، إنه تركي آل الشيخ؛ مالك نادي بيراميدز.

فجأة تحول الأسيوطي إلى بيراميدز ثم تم تسريح اللاعبين والتعاقد مع صفقات جديدة بمبالغ لم يكن يتوقع أحد أن تُدفع في لاعبين داخل الدوري المصري الممتاز، وفي أول مشاركة له بمجموعة لاعبين لأول مرة تشارك سويًا فرضت الكتيبة الزرقاء نفسها كندًا قويًا للأهلي والزمالك، اللذين كانا يصولا ويجولا ويتبادلا المركزين الأول والثاني، تاركين لبقية الأندية المنافسة على بقية المراكز دون المساس بالمقدمة.

تبدو الأمور من الناحية الفنية تسير بشكل جيد في القلعة الزرقاء، لكن من الناحية الإدارية ورغم أنه استثمار عربي - عربي إلا أن التجربة حافتها المشكلات والأزمات والانتقادات في كثير من الأحيان، إما من قبل الجمهور أو النقاد الرياضيين، حتى اضطر مالك النادي أن يعن انسحابه من الاستثمار في مصر في أكثر من مناسبة، لكنه في كل مرة يتراجع عن قراره بداعي ضغط من لاعبي الفريق والإدارة.

الموضوع يُستكمل بالأسفل

فكيف كان مردود ذلك على مستقبل الاستثمار الخليجي في مصر؟ بعد عشرة أشهر من التجربة الأولى، هل سيتجرأ مستثمر آخر لتكرارها؟، وحقيقة صادمة من داخل مصر، هذا ما نستعرضه في السطور التالية..

بداية تواصلنا مع الإعلامي السعودي أحمد الفهيد، والذي أشاد بالتجربة بشكل كلي، حيث قال: "تجربة بيراميدز مثيرة، وما زالت تقضم من كعكة المنافسة، وهي ناجحة استثماريًا حتى الآن، أن يستحوذ فريق جديد على هذه المساحة من المتابعة والاهتمام والمنافسة فهو بلا شك عمل عظيم ويستحق صانعه تركي آل الشيخ الاحترام".

وأضاف معددًا مميزاتها: "من مميزاتها أنها أحدثت حراكًا رياضيًا وإعلاميًا هائلًا، ومنحت أجواء المنافسة وهجًا خاصًا، ووسعت دائرة الاهتمام بالبطولات المصرية لتصبح محط اهتمام وسائل إعلام خليجية وعربية بسبب الخطوات الذكية والمدروسة التي يقوم بها تركي آل الشيخ، الذي يعرف جيدًا ما الذي يفعله، ولماذا يفعله".

لكن الإعلامي السعودي وجه نصيحة إلى المسؤولين المصريين كي تطور هذه التجربة الاستثمارية الناجحة: "عليهم تأسيس قوانين استثمار عادلة، تحمي حقوق المستثمرين، وتقدس نصوص عقودهم، ولا تتدخل في توجيه مسار المنافسات استجابة لضغط الجماهير ووسائل الإعلام".

تركي آل الشيخ

اتفق الناقد الرياضي الإماراتي ونائب رئيس مجلس إدارة خريجي جامعة باريس "السوربون" محمد الخضيري، مع الفهيد، بجانب أن التجربة فادته من ناحية انتمائه بشكل خاص: "تجربة مميزة، أجمل ما فيها التنوع الرياضي ومزج حضارة تاريخية، بجانب اكتشاف لاعبين جدد، ودخول منافس قوي في الصراع على اللقب المحلي، بالإضافة إلى إيقاف الأهلي كوني مشجعًا للزمالك،  لكن يعيبها غياب مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للموازنة المالية".

الرأي كان مختلفًا عند الصحفي السعودي والمدير السابق للمركز الإعلامي بأهلي جدة ماجد الفهمي، الذي يرى أن هناك شيء سلبي لا يزال يشوبها..

"تجربة ناجحة في حال كانت البيئة الرياضية أكثر صحية، فقط خلقت منافس جديد بالساحة، لكنني أرى أن السلبية الوحيدة في الأمر هي أن العائد المالي لن يكون مربحًا نظير المنافسة الجديدة".

الثلاثي أجمع على استفادة الدوري المصري من الاستثمار في القلعة الزرقاء، لكن انقسم حول إمكانية إقبالهم على الاستثمار في كرة القدم ببلاد الفراعنة، منهم من رحب لكن مع وجود مخاوف، ومنهم من رفض خلال الفترة الحالية..

الفهيد كان من المرحبين، واضعًا بعض الشروط على اتحاد الكرة أن ينفذها على يقبل بقناعة كاملة على اتخاذ هذه الخطوة: " إذا أتيحت لي الفرصة للاستثمار في مصر فسأفعل، مصر بلد كبير، وتعداد سكانه مغرٍ، ونِسب متابعة كرة القدم فيه تفتح شهية أي رجل أعمال، فما بالك حين يكون رجل الأعمال رياضي أصلًا، وعاشق لكرة القدم، ويتلذذ بخوض التحديات بكافة اتجاهاتها وأشكالها ودرجاتها، ومعالي المستشار الأستاذ تركي آل الشيخ بارع جدًا في الفوز، ولكن..

"أخاف ألا أحصل على حقي القانوني بوجود منافسة عادلة، وأن تكون البطولات في عهدة التأجيل دائمًا، وأن تتحكم الأندية الجماهيرية في قرارات اتحاد الكرة".

أما الفهمي فيود أن يستثمر حقًا ببلاد الفراعنة: "بكل تأكيد أرغب في تكرار التجربة، من أجل دخول غمار منافسات الثابتين على المنافسة الأهلي والزمالك، فقد أعطى بيراميدز إيجابية للدوري المصري".

بينما يعارض الخضيري رأيي الثنائي السعودي، فهو يرى أن الدوري المصري ليس جاذبًا للمستثمرين: "ليس من السهل الاستثمار في المجال الرياضي المصري حاليًا، نظرًا لعدم السماح للجماهير بالحضور بالأعداد التي تستحقها الكرة المصرية وتاريخها، لكن إذا خضت التجربة فأكبر مخاوفي هي مواجهة رئيس الزمالك الحالي في الملعب كخصم؛ لأنه صديق عزيز وأنا أحد محبي نادي الزمالك".

جمهور الأهلي والزمالك

من أكبر الأزمات التي واجهت تركي آل الشيخ في مصر هي عدم تقبل الجمهور له، خاصةً في ظل استفزازه المتكرر لجمهور الأهلي ومن الناحية الأخرى هجومهم عليه، لخلافاته مع مجلس إدارة القلعة الحمراء برئاسة محمود الخطيب، والذي كان يومًا ما رئيسًا شرفيًا له.

الجمهور المصري له طابع خاص، عاشق لكرة القدم، ولا يقبل بسهولة أي تغييرات تطرأ على مسار الكرة المصرية، لذلك قوبلت التجربة الأولى للاستثمار بعدم تأييد كامل من الأغلبية العظمى.

الثلاثي المتحدث لنا كما اختلفوا في النقاط السابقة، كذلك لهم آراء متباينة حول كيفية معاملة الجمهور في مصر.

فمثلًا الفهيد سيسير على خطى آل الشيخ - إذا استثمر في بلاد الفراعنة - : "الجمهور غاضب غاضب لا محالة، إن هزمت فريقه سيغضب، وإن استقطبت لاعبًا من لاعبي ناديه سيغضب، وإن تحدثت عن إدارة النادي الذي يشجعه وممارساتها سيغضب.. لذلك لن أعير ردود افعال جماهير الأندية الأخرى أي انتباه، وسأركز في ما يريده جمهور فريقي، فريقي فقط".

فيما سيتبع الخضيري سياسة أخرى: "الجمهور المصري عاطفي ويجب التعامل معه بحرص شديد وعدم الانجراف بالمهاترات الإعلامية، بل على العكس يجب توجيه المبادرات الإيجابية التي تحفز الروح الرياضية لدى اللاعبين والجمهور".

واتفق معه الفهمي: "ازرع الخير تجني حصاده، التعامل مع الجماهير يجب أن يكون بحذر، الإساءة أو الإسقاط عليهم مرفوض ومراعاتهم واجب، بل علينا شكرهم في كل الأحوال".

فتحي سند

حتى الآن الوضع مستتب وأتت تجربة بيراميدز بثمارها في أعين النقاد الخليجيين، لكن الأمور مختلفة تمامًا في أعين النقاد المصريين، الذين لا يروا أن تجربة تركي آل الشيخ استثمار حقيقي، مؤكدين أن مصر في حاجة لفرض عديد من القواعد والقوانين حتى يمكننا أن نكون مستريحي الضمير ونحن نقول أننا حقًا نضاهي الاستثمارات في الدوريات الأوروبية.

وجهة نظر الناقد الرياضي فتحي سند كانت صادمة، فهو لم يعرف حتى الآن ما الفائدة العائدة على تركي آل الشيخ من هذه التجربة: "لدينا 500 نادٍ من الممكن أن يتم بيعهم بما في ذلك أندية الشركات والمؤسسات حتى الأهلي والزمالك متاح بيعهم إذا كانوا يريدوا تحويلهم إلى أندية شركات، لكن تجربة بيراميدز فريدة وليس لها علاقة بالاستثمار الرياضي، تجربة قامت في ظروف خاصة، لم يتم كتابة نجاحها بشكل نهائي، ولم يتحدد ملامح مستقبلها بشكل قاطع، هي ليست استثمارًا بل أفراد قاموا بشراء نادٍ ويتاجرون في اللاعبين، لا أدري ما الاستثمار في ذلك!".

وانتقل سند لتوضيح معنى الاستثمار الحقيقي الذي لو تواجد وقتها فقط من الممكن أن تستفاد الكرة المصرية والمستثمر سويًا: "الاستثمار يعني أن كل الهيئات العاملة في المجال تكسب، لكن حتى الآن أرى أن بيراميدز نفسه حتى الآن لم يكسب أي شيء، حتى الآن يدفع أموالًا فقط، قام بشراء لاعبين بأسعار خيالية ورفع أسعار اللاعبين بشكل رهيب في مصر، وعمل طفرة في المنافسة، هذه فقط الميزة الأساسية أنه أصبح شريك في أسرع وقت ممكن وينافس على بطولة، لكن لم يستثمر في لاعبين، لم يكسب شيئًا من الدعايا، لم يحقق شيئًا من الإعلان، لم يدخل خزينته جنيهًا من تذاكر المباريات، هي تجربة انتحارية، أضافت للكرة المصرية تنافس فني ورفعت من شأن اللاعبين بأسعار خرافية لا تتناسب مع إمكانياتهم، حجم ما يُنفق اليوم على اللاعبين في مصر أكبر بكثير من المردود الفني، وبذلك نحن لا نتحدث عن استثمار بل جزء من السياسة الاستثمارية الموجودة في العالم بأكمله، في الخارج هناك استثمار حقيقي، لكن كلمة استثمار في مصر كبيرة على ما نتحدث عليه.

"من يريد أن يستثمر لا بد أن يطمئن من أن المسابقة منتظمة والجمهور يمتلك إمكانية شراء التذاكر دون مبالغ خرافية، ووجود سوق مهيأ لبيع التذاكر، الاستفادة من كل ما يمارسه النادي، والبث ملامحه واضحة محدد، حماية المنتج الذي يقدمه النادي، كما يحدث في الخارج لا يقدر أحد في إيطاليا على طبع قميص كريستيانو رونالدو إلا بحقوق معينة ومن يخالفها يتعرض لعقوبة السجن، لكن هنا في مصر أي شخص يستطيع أن يطبع قميص أي نادٍ ويقوم ببيعه".

اجتماع الاتحاد المصري

فتحي سند ألقى باللوم على الفكر الذي تُدار به الكرة المصرية والمناخ العام، الذي لا يعطي مجالًا واسعًا لتجارب مثمرة حقًا.

"المناخ في مصر غير ملائم للاستثمار الرياضي، حتى الآن لم تتهيأ الأجواء، لكن المهمة التي قام بها تركي آل الشيخ مهمة فردية، دفع بها مبالغ كبيرة ولم يحقق هو المكسب المادي منها، ممكن أن يكون أحدث صدى فني وتحقيق شعبية للنادي وشهرته في زمن قياسي إلا أن ما يؤديه بيراميدز في مصر ليس استثمارًا بمعنى الكلمة، إنما محاولة فردية لتغيير بعض الأمور داخل الساحة الكروية تمهيدًا لبدء مرحلة من الاستثمار، لا يوجد استثمار رياضي في ملاعب كرة القدم المصرية، لأن اتحاد الكرة ليس دافعًا لذلك والأندية لا تنفذ اللوائح ومن الأساس ليس لدينا دوري محترفين، وحتى لو طُبقت لجنة المحترفين، لن يكون لدينا استثمار حقيقي، على اتحاد الكرة أن يضع قواعد وأسس لبناء الاحتراف في مصر، الأمر ليس متعلقًا بلجنة الأندية المحترفة، بل بالفكر، والفكر في مصر للأسف متخلف".

إبراهيم حجازي

من ناحية أخرى، وجه الناقد الرياضي إبراهيم حجازي بعض النصائح للاتحاد المصري ونقاط محدد لو طُبقت فوضع الكرة المصرية سيتغير 180 درجة.

حجازي قال: "لا بد أن نحدد أولًا الاستثمار الرياضي ما عائده؟، هل الغرض منه خلق قاعدة جديدة في مصر؟، وماذا نحتاج من الاستثمار الرياضي؟، نحن في حاجة لاستثمار حقيقي أي صرف أموال والحصول على عائد مقابل ذلك، فأهلًا بأي استثمار مدروس وفقًا للقانون.

"أتمنى أن يأتي استثمار من شأنه أن يعلي قيمة الرياضة ويعود بالفائدة على صاحبه، الاستثمار الحقيقي يأتي من أندية لها شعبية، جميع أندية المحافظات كانت تلعب في الدوري الممتاز يومًا ما كالمحلة والمنصورة وكفر الشيخ والشرقية والسويس، وهذا ما يجب الاستثمار به، الأندية الجماهيرية، لأن دون جماهير الأمر يكون صعبًا، وأتمنى لو أراد أي مستثمر أن يأتي إلى مصر فليفعل ذلك في نادي جماهيري، سيكون هذا شيئًا عظيمًا جدًا يفيد الرياضة المصرية، وينهض بها في محافظة بأكمالها وتصير المحافظة قاعدة لرفع شأن كرة القدم في مصر".

إذًا فما الحل؟، يضيف حجازي: "قانون الرياضة الحالي مخطئ في وضع قواعد الاستثمار في مصر، لا بد أن نضع قواعد محددة كأي استثمار في أي مجال سواء زراعة أو صناعة أو التجارة، أي استثمار يأتي يجب أن يكون وفقًا لاحتياجات البلد.

"قبل أن نقول أهلًا بالاستثمار في كرة القدم بمصر، علينا أن نقيم نظام محترفين، الأندية المصرية بالدوري المصري الممتاز ليس معها رخصة محترفين حقيقة!، على الرغم من أن أي نادٍ لا بد أن يحصل على هذه الرخصة ولديه ملعبه الخاص لموسم بأكمله، بجانب أن قواعد أندية المحترفين وفقًا للاتحاد الدولي فإن أي نادٍ لا تغطي إيراداته مصروفاته، يتم محاسبته، وهذا غير موجود في مصر، لذلك نحن بحاجة إلى أن تدار كرة القدم في مصر بلجنة الأندية المحترفة، لا يصح أن تختلط الأندية الهاوية بالمحترفة، ومن حق المستثمرين أن يخشوا من هذه النقطة".

وحدد إبراهيم حجازي النقاط التي يجب أن يتم العمل عليها خلال الفترة المقبلة: "يجب تطبيق لجنة للأندية المحترفة، تتكون من الأندية نفسها بعيدًا عن سلطة اتحاد الكرة، الأمور في مصر مختلطة، حتى أن النادي الذي يلعب في دوري الدرجة الرابعة وليس به كرة قدم من الأساس له صوت في الانتخابات.

"يجب أن نعيد إصلاح المنظومة الرياضية في مصر ثم نتحدث عن الاستثمار الرياضي، لن يكون لدينا استثمار في كرة القدم بالصورة الحقيقة الذي يرفع من شأن اللعبة طالما نسير على نفس النظام الحالي".

واختتم: "يجب أن يكون لدينا قانون رياضة واضح وصريح، القانون الحالي به عيوب وأعتقد أن الدولة تغيره حاليًا، نصيحتي أنه عندما يكون لدينا قانون رياضة حقيقي، سيلزم اتحاد الكرة بتطبيق نظام الأندية المحترفة ولجنتها الخاصة، حتى ينصلح حال الكرة المصرية، وقتها فقط أهلًا بأي مستثمر وهو نفسه سيكون سعيدًا للاستثمار في مصر، حيث سيضع أمواله في المكان السليم بشرط وجود قانون يحميه ويحمي مصالح الكرة المصرية".

آراء مختلفة، الخليجيون يرون أن الاستثمار في الكرة المصرية قد يكون ورديًا، والمصريون في أعينهم الوضع غير مرضٍ تمامًا، وما بين هذا وذاك لا تزال التجربة الأولى للاستثمار في مصر لم تكشف بعد عن كل ما في جعبتها.

إعلان