المهاجم الوهمي... مصطلح يظن البعض أنّه ظهر للمرة الأولى مع عبقرية ليونيل ميسي في مباراة الكلاسيكو في مايو 2009 والتي سحق فيها بيب جوارديولا ريال مدريد وانتصر بسداسية لهدفين ومنح البرغوث مكانًا في الوسط بدلًا من تواجده على الأطراف.
لا شك أنّ ميسي كان أفضل من لعب دور المهاجم الوهمي، أو كما يصفونه في لغة التكتيك "false9" ولكنّه لم يكن الأول، سبقه في الأمر نجم الجيل الذهبي لمنتخب النمسا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ماتياس سينديلار وأبدع فيه مدرب الأهلي المصري الأسبق، ناندور هيديكوتي، مع المجر في الخمسينيات رفقة بلاده.
فرانشيسكو توتي هو النموذج الأحدث مع لوتشيانو سباليتي في 2006-2007 وجرّبه السير أليكس فيرجسون في مانشستر يونايتد بالموسم التالي وثلاثية كريستيانو رونالدو وكارلوس تيفيز ومايكل أوين.
ميسي أبدع في هذا المركز رفقة بيب جوارديولا بين 2009 حتى 2012 بعد أن قرر الاستمتاع لنصيحة مساعده تيتو فيلانوفا، وأُعجب فيسنتي ديل بوسكي بالأمر حتى قرر تطبيقه في 2012 بنهائي أمم أوروبا باستخدام سيسك فابريجاس.
ولكن بعد كل هذه السنوات من النجاح اختفى المهاجم الوهمي ولم يعد البولجا يقوم بهذا الدور بوجود لويس سواريز والسبب لم يكن سوى لأنّ المهاجم الصريح لم يعد كذلك كما كان في السابق.




المهاجم الوهمي
Gettyلماذا كان الأمر عبقريًا؟ دور المهاجم الوهمي هو التراجع بالقرب من وسط الملعب لخلخلة قلوب دفاع المنافس، إما ترك أماكنهم للركض وراء ميسي وترك فدان من المساحة ورائهم ينعم فيها الجناح كما حدث في خماسية "كامب نو" بوجود جوزيه مورينيو على مقاعد ريال مدريد، أو الوقوف دون وظيفة ومنح حرية للمنافس يفعل ما يحلو له.
الدور كان مثاليًا لميسي وتوتي وغيره من اللاعبين لأنّ المهاجم الصريح اعتاد التواجد في منطقة جزاء ليصبح صيدًا سهلًا للمدافع الذي عادة ما يلعب ضده رجل لرجل والنتيجة مصيدة لا يمكن الخروج منها.
ذكاء سباليتي مع توتي وبيب مع ميسي وكذلك السير في آخر موسم حقق فيه مانشستر يونايتد دوري أبطال أوروبا جعل من الصعوبة التعامل مع هذه الحركية ليمنح فرصة للأطراف في تسجيل الأهداف، ولا عجب أنّ رونالدو وليس روني هو صاحب الحذاء الذهبي في 2008.
إن كان الأمر عبقريًا إلى هذا الحد لماذا توقف؟ لماذا اختفى المهاجم الوهمي تدريجيًا في الآونة الأخيرة وأصبح رقم 9 هو النموذج الأبرز المطلوب حاليًا. حسنُ هاري كين يعرف الإجابة.
برشلونة في صور - لحظات من الجنون والفرح والندم والريمونتادا
الإعصار
Getty Imagesربما يصف البعض الدور الذي يقوم به كريم بنزيما في ريال مدريد مع كريستيانو رونالدو بالمهاجم الوهمي أو المهاجم الثاني أو أي كان المصطلح وذلك لأنّه كان يقوم بفتح المساحات للبرتغالي ومنحه أفضل فرصة ممكنة لتسجيل الأهداف.
روبيرتو فيرمينو في ليفربول يقوم بالأمر ذاته منذ موسمين ويترك الفرص لساديو ماني ومحمد صلاح ليصطلح نجمهما التهديفي على حسابه رغم أنّه نظريًا المهاجم الصريح.
كل هؤلاء ليسوا نموذجًا مماثلًا لما قام به ميسي مع بيب جوارديولا، لأنّ البرغوث كان هدافًا أيضًا ولا يتعين عليه القيام بالواجبات الدفاعية أو كما يصفونه في إنجلترا "The Dirty Work" ليمنح للبقية الراحة المطلقة في الهجوم، بل أنّ ليو الأقل ركضًا والباقي يعمل لأجله.
هنا ظهر هاري كين، مهاجم توتنهام ومنتخب إنجلترا هو الأعظم حاليًا في القيام بدور المهاجم الصريح ولكن على الطريقة الحديثة، أسلوب طبّقه لويس سواريز مع برشلونة وظهر بأعظم صورة ممكنة في موسم 2015-2016.
المهاجم الصريح الذي لا يتوقف عن الحركة داخل وخارج منطقة الجزاء، يمنح المساحة لزملائه ويخطف أنظار المدافعين وحينما تأتيه الفرصة لا يتوقف عن التسجيل وهزّ شباك الخصوم، إنّه الأكثر تكاملًا.
"لعبت في مراكز متعددة منذ أن كنت طفلًا وساعدني هذا لتعلم أجزاء كثيرة فيما يتعلق باللعبة. اللعب في الخط الهجومي بمفردي يتطلب أن أكون جيدًا للغاية في استغلال الفرص وكذلك أعرف حينما استقبل الكرة وظهري للمرمى كيف أساهم في جعل البقية يشتركون في الهجمة". – هاري كين، 2016.
الأفضل حاليًا في هذا الأمر هو هداف كأس العالم 2018، فهو اللاعب القادر على التحرك داخل وخارج المنطقة. يحقق الحذاء الذهبي في البريميرليج موسمين على التوالي ويخلق بمعدل 1.8 فرصة في كل مباراة يلعبها. الأمر إذًا لا يتوقف فقط عند مسألة إحراز الأهداف.
في الوقت الحالي أصبح متطلبات المهاجم الصريح هي فتح المساحات لزملائه وخلق الفرصة لغيره ليسجل بجانب أيضًا تسجيل الأهداف واندمجت الفكرة نوعًا ما مع المهاجم الوهمي ليصبح الأمر مختلفًا.
بنزيما يتلقى الطعنات في ريال مدريد وسواريز حينما يتراجع تهديفيًا يتلقى الضربات ذاتها، لأنّ فتح المساحات وخلق الفرص لباقي اللاعبين ليست مهاجم الرقم 9 فقط، كما أنّ تسجيل الأهداف لم يعد السبب الوحيد للتعاقد مع مهاجم صريح، وكين هو النموذج الأمثل. فمن قال إن فهم كرة القدم وطريقة اللعب مقتصرة فقط على المدربين؟
