تشهد كرة القدم العربية سنويًا بروز عدد كبير من المواهب الشابة في أعمار صغيرة، وقد حقق عدد من المنتخبات العربية للناشئين والشباب نتائج ممتازة على الصعيدين القاري والعالمي، لكن رغم هذا إلا أن تلك المواهب تتراجع ولا تصل للمستوى المتوقع والمأمول.
آخر المنتخبات الشابة المتألقة على الصعيد العالمي كان منتخب المغرب خلال كأس العالم للشباب 2005، حين حل رابعًا بعد الخسارة القاتلة أمام البرازيل، وقد قدم عددًا من المواهب الرائعة مثل محسن ياجور ونبيل الزهر وسعيد فتاح وعبد السلام بنجلون، لكن لا أحد تقريبًا من تلك المواهب واصل طريقه نحو النقطة المرجو الوصول إليها.
صلاح وأبو تريكة والشلهوب وغيرهم .. كيف كان مستوى نجوم العرب قبل بلوغ عامهم الـ19؟
البطولة ذاتها شهدت تواجد عددًا من المواهب التي شقت طريقها نحو النجومية وعلى رأسهم ليونيل ميسي وسيسك فابريجاس وأوبي ميكيل وفرناندو يورينتي، عكس المواهب المغربية التي لم تصل للمستوى الأول أبدًا رغم ما أظهرته من قدرات رائعة.
فشل المواهب الشابة في مواصلة الطريق نحو النجومية يعود لسببين رئيسيين، الأول خاص باللاعب نفسه والثاني بناديه.
نبدأ بالحديث عن الأندية، والأمر يتعلق بتوجهها نحو اللاعب الجاهز القادر على تقديم الإضافة سريعًا ودون استهلاك الكثير من الوقت والفرص حتى لا يتأثر الفريق ونتائجه سلبًا.
يُلاحظ تألق اللاعب الموهوب على صعيد الشباب، يُمنح الفرصة ويُصعد للفريق الأول، وهنا يبدأ تعنت المدربين ضده وضغط الجماهير عليه خاصة لو كان اسمًا معروفًا قدم بعض الملامح عن موهبته في المنتخبات الوطنية.
يرغب مدرب الفريق الأول في لاعب جاهز يُقدم له الإضافة المطلوبة سريعًا، ولذا يمنح الشاب فرصة ويتراجع بعدها رغم أن المنطق يقول أنه بحاجة للوقت واللعب لتتطور موهبته وتتحسن، لكن ضغط البحث عن النتائج يُجبر المدرب على قراراته تلك.
ولا يُمكن إهمال دور الجماهير السلبي في هذا الأمر كذلك، إذ لا ترحم أحيانًا وتهول الأخطاء وتضغط كثيرًا على اللاعبين الشباب وتُطالبهم بما هو فوق طاقاتهم، والنتيجة تأثر اللاعبين سلبًا على الصعيدين الذهني والفني.
ولا دليل أوضح على خلل تلك المنظومة من تخلي الأندية العربية الكبيرة عن عدد من اللاعبين الشباب في بداية مسيرتهم ثم ضمهم مجددًا بعد عامين أو ثلاثة بأسعار مضاعفة نظرًا لتألقهم الملفت مع أندية أخرى، هذا التألق الذي لم يحدث سوى لأنهم حصلوا على فرصة مناسبة دون ضغوطات.
السبب الآخر في فشل المواهب يعود للاعب نفسه، إذ تلعب شخصية اللاعب ومدى طموحه واستعداده للتضحية للوصول لهدفه المنشود في كرة القدم الدور الأهم والأبرز حاليًا في تطوره، إذ باتت الخيارات متعددة أمام اللاعبين الشباب ومن لا يجد الفرصة في نادٍ يستطيع الانتقال لغيره وهكذا حتى يجد البيئة المناسبة له لإظهار قدراته جيدًا.
بعض اللاعبين يتوقف شغفهم واستعدادهم للعمل والتضحية بمجرد أن تظهر أسماءهم في الإعلام وتتردد بين الجماهير، يظنون أن تلك هي قمة كرة القدم! والبعض لا يمتلك الشخصية المناسبة لمواجهة التحديات والضغوطات ويتأثر سلبًا ويتراجع.
وهناك مجموعة تمتلك الشخصية المناسبة والطموح والاستعداد للتضحية وهؤلاء هم من يشقون طريقهم بنجاح نحو المستوى الأول في كرة القدم، مجموعة مثل رياض محرز ومحمد صلاح.
كذلك اختيارات اللاعب تؤثر كثيرًا، لأن بعض اللاعبين يختارون العمل مع مدربين غير مناسبين لهم من الناحية الفنية، والبعض يتعجل اللعب للكبار حتى لو كانت فرصه قليلة جدًا مثلما فعل نبيل الزهر بانتقاله إلى ليفربول.
حسن الاختيار وامتلاك الشخصية والعقلية والطموح والاستعداد لبذل الجهد والتضحية والالتزام هي مسؤولية اللاعب تجاه موهبته التي أكرمه الله بها، فيما منحه الفرصة المناسبة والوقت اللازم للتطور والتحسن هي مسؤولية ناديه لقطف الثمار في النهاية، والخلل هنا أو هنا هو السبب المباشر في ضياع أي موهبة شابة.
