هل تعلم لماذا يحب البعض الأساطير؟
الأسطورة الشعبية هي عبارة عن قصة تتوارثها الأجيال تعظم من بعض الأمور وتقلل منها بغرض الوصول إلى رسالة وعظة في النهاية، وكأنّها رسالة كتبها الأجداد لحماية الأحفاد.
الأسطورة يتم تداولها والتعظيم منها عامًا بعد عام، حتى يتحول بطلها إلى شخص أسطوري لا يخطأ بل هو الصواب نفسه، وما يفعله لا يمكن انتقاده ولا التقليل من شأنه مهما جرى.
هكذا كان محمد صلاح، نجم ليفربول، بالنسبة للجمهور المصري، أسطورة لا يشق لها غبار، لكن مع الوقت أصبح موضع كراهية للبعض، بل ومركزًا لهجمات لا تتوقف.
محمد صلاح أصبح أكثر رياضي مصري محبوب ومكروه في آن واحد
كيف بدأت الأسطورة؟
gettyimagesالجمهور المصري عاشق لكرة القدم، منذ الطفولة وهو يتابع كأس العالم والبطولات الأوروبية المختلفة بشغف كبير ويتفاعل مع اللعبة حتى رغم غياب البعد الجغرافي المؤسس لفكرة التشجيع.
يشاهد حفل الكرة الذهبية ليجد نجمًا أوروبيًا أو لاتينيًا يحقق الجائزة، ويرى الخلاف الدائر دائمًا بين نجوم الفرق الأوروبية الكبرى على اللاعب الأفضل، وهكذا.
كان النموذج للمحترف المصري هو لاعب مثل أحمد حسام "ميدو" والذي مثّل العديد من الفرق الأوروبية الكبرى مثل روما وتوتنهام وسيلتا فيجو وأياكس لكن لم يكن بين صفوة اللاعبين المرشحين دائمًا للجوائز الفردية أو في فريق قادر على الفوز بدوري أبطال أوروبا.
حتى جاء صلاح
صلاح امتلك كل ما يرغب فيه المشجع المصري، لاعب بسيط من بلدة صغيرة في الغربية، قصته تشبه قصة باقي الشعب لكنّه كافح ليصل إلى أوروبا ولم يتوقف عند ذاك بل برهّن على قدراته ونجح في بازل ثم رحل لتشيلسي لكن لم تكن تجربة على قدر المستوى ليعيد اكتشاف ذاته في إيطاليا.
وبعد العودة إلى الدوري الإنجليزي من بوابة ليفربول، تحوّل صلاح من محترف رائع إلى لاعب أسطوري، فأصبح الهداف للبريميرليج ويتواجد ضمن قائمة المرشحين للكرة الذهبية وكذلك جائزة الأفضل، بل حتى في 2018 تفوق على ليونيل ميسي في الترتيب!
أرقام صلاح وإبداعاته المتواصلة في أوروبا ووضعه بسهولة بين صفوة اللاعبين حتى أصبح منافسًا لميسي وكريستيانو رونالدو على الكرة الذهبية، ثم حقق مع ليفربول أول دوري أبطال أوروبا بعد 14 عامًا وأول لقب في الدوري الإنجليزي بعد 30 عامًا.
أسطوري، يتغنى به جمهور ليفربول ووضع العلم المصري في محافل عالمية، ليصبح اللاعب الذي كسر سقف الطموحات للجماهير المصرية وأصبح في مكان آخر، خاصة بعدما قاد الفراعنة إلى أول كأس عالم منذ 28 عامًا.
كل شيء جعل صلاح الاسم الأكثر شيوعًا في مصر، والجميع من أسوان للإسكندرية يتغنون باسمه بل ويشجعون ليفربول فقط لأجله.
حتى تكلم
تكلم حتى أراك

هذه الصورة التي شكّلها الجمهور المصري عن صلاح جعلت منه فارسًا أسطوريًا وليس فقط مجرد لاعب كرة قدم، بل هو الأمل الذي يقود شعبًا بأكمله.
ولأنه الفارس، فعليه دائمًا أن يقف بجوار الحق والعدل ويدافع عن المبادئ والقيم التي يؤمن بها الشعب المصري، والأهم أن يكون نموذجًا للشاب المسلم العابد لربه الذي يُظهر ذلك أمام الغرب.
صورة صلاح وفي يده المصحف حينما كان في روما عززت من هذه الفكرة، الأخبار التي ترددت حول تراجع ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو الخوف من الإسلام في أوروبا بسبب ما يقدمه صلاح انتشرت كالنار في الهشيم، ليرتفع سقف التوقعات وينتظر الجميع من ابن نجريج أن يكون رمزًا للحق.
لكن صلاح لم يفعل ذلك، تحدث تارة عن العقلية المصرية ثم لم يدافع بصورة واضحة عن القضية الفلسطينية بل اتخاذ موقفًا محايدًا نوعًا ما، وأخيرًا وليس آخرًا في حواره مع "عمرو أديب" تحدث عن الخمر بأنّه "شيء غير محبب" ولم يقطع الجدل بقوله "حرام".
اقرأ أيضًا:- صلاح: في ذهني أنا الأفضل بالعالم، وهذه هي علاقتي بكلوب وماني!
صلاح ربما يحاول أن يحافظ على صورته في الغرب لكن أهله في الشرق لم يعجبهم هذه الدبلوماسية وطلبوا أن يكون سيف الحق في وجه العالم، وهي صورة لم يعلنها نجم ليفربول بل توقعها الجمهور المصري فقط.
ربما لا يمكن المطالبة من صلاح أن يكون قدوة الشباب وأملهم، لكنّه وُضع في هذا الموقف مضطرًا حتى أصبح رمز النجاح الوحيد في مجتمع متفكك.
هذا الموقف قد يجبره أيضًا على التصريح بأمور ما، والقيام بمواقف محددة لإرضاء الجمهور المصري، لكن يبدو أنّ سابع الترتيب في الكرة الذهبية بدأ بالفعل في رسم خططه ومشروعاته للمستقبل والتي تتضمن أن يصبح أيقونة عالمية وليس نجمًا مصريًا فقط.
صلاح لا يزال الحلم بسبب نجاحاته، لكنّه كذلك الفتى المكروه لأنّه اختار الغرب على الشرق، تحسين صورته أمام العالم على أن يكون لسان بلده، ليصبح شخصًا مكروهًا وتحت سيف الانتقادات.
وفي الأخير لا يمكن اللوم على اللاعب لأنّها صورته وعليه تشكيلها كما يرغب، كما لا يمكن اللوم على الجمهور الحالم الذي رأى في صلاح كل حلم لم يحققه وكل هدف لم يحققه.




