الاثنين 25 أغسطس، مر قرابة 3 شهور منذ نهائي دوري أبطال أوروبا الذي شهد فضيحة بكل ما تعني الكلمة من معاني لإنتر بعد أن خسر بخماسية نظيفة ضد باريس سان جيرمان، وكتب الفصل الأخير في موسم تحول من حلم تحقيق الثلاثية وإعادة الأمجاد، لكابوس خسارة كل الألقاب وتوابع هذا الأمر رياضيًا وإداريًا على النيراتزوري.
في تلك الشهور الثلاثة تغير الكثير في إنتر وحدث الكثير أيضًا وهو ما سنستعرضه في السطور القادمة ونحلله، ولكن في الإجمال، ربما يشعر الكثيرون من جمهور إنتر، ومنهم الكاتب، للمرة الأولى بفقدان التعلق بال"بينياماتا"، لقب إنتر المحبب بين عشاقه في إيطاليا ويعني "المحبوبة"، ولا عجب في ذلك، سيناريوهات الموسم الماضي القاسية بعدم الفوز ولا مرة ضد الغريمين ميلان ويوفنتوس، وداع الكأس في الديربي، خسارة الدوري بأخطاء ذاتية وسيناريو "بيدرو" ضد لاتسيو، وأخيرًا خماسية باريس الفاضحة وما تلاها من أحداث تركت شعورًا بالمرارة صعب الزوال.
وما زاد الطين بلة أحداث الصيف، رحيل إنزاجي واكتشاف الجميع أنه كان في مفاوضات منذ شهور مع الهلال، خيانة من الرجل الذي عشقه الجميع في أوساط إنتر وانتظروا منه أن يتحول لأليكس فيرجسون إنتر، وما تلا ذلك من تخبط الإدارة في جلب بديل، أليجري كان متاحًا وينتظر إنتر كما يقال وفي النهاية وقع مع ميلان وسط غياب تام من الإدارة في الجار التي غاب عنها مفاوضات إنزاجي مع النادي السعودي، كارثة في حد ذاتها عدم علمها، ثم مع رحيله بدت كالغريق الذي يبحث عن النجاة بأي سبيل، مفاوضات مع فابريجاس انتهت في 24 ساعة بعد رحلة فاشلة من بييرو أوسيليو للندن لإقناعه، الأخير الذي قد يرحل هو الآخر للهلال هذا الصيف، وإذلال علني من مسؤولي كومو لنظرائهم في إنتر، ثم قائمة مرشحين لا تليق بفريق بلغ نهائي أوروبا مرتين في آخر عامين ضمت باتريك فييرا وكريستيان كيفو انتهت بتعيين الأخير وهو الذي درب فقط 6 أشهر و13 مباراة في السيري آ!
الفريق لم يأخذ وقته ليتعافى، سواء بدنيًا أو ذهنيًا، عقب موسم شاق انتهى بأسوأ السيناريوهات، فحط الرحال منهكًا في الولايات المتحدة لخوض غمار مونديال الأندية، تجربة كيفو الأولى للتعرف على لاعبيه والجمهور لمحاولة إعادة الشغف مع بطلهم السابق من جيل الثلاثية الخالدة، ولكن ظهر الفريق باهتًا كقمصانه للموسم الجديد، باستثناء مباراة ريفر بليت التي فاز فيها 2-0 وتألق فيها الشاب الواعب بيو إسبوزيتو، وودع من الدور الثاني مبكرًا بعرض جديد فاضح، هذه المرة على يد فلومينينسي 2-0، ولم يكتف بالهزيمة الفنية، ولكن خارج الملعب انفجرت الأوضاع بهجوم علني من قائده لاوتارو مارتينيز على هاكان تشالهان أوغلو ومن وصفهم بمن يرفضون اللعب، لينتهي موسم إنتر بأزمة إدارية تعبر عن الوضع البائس الذي بلغه الفريق داخل وخارج الميدان.
الآن هذا الاثنين يعود إنتر لافتتاح الموسم في "سان سيرو" ضد تورينو وسط أجواء لا تبشر بالخير، جمهور الكورفا نورد سيقاطع اللقاء بسبب أزمة النادي مع الأولتراس ومنعهم من حضور نهائي باريس والملاحقات القضائية لهم، القضية التي حتى كيفو أبدى امتعاضه منها ضمنيًا بمؤتمر اللقاء سبب غياب "التيفو" والمساندة الحقيقية للفريق في المدرجات بغياب هؤلاء، حقيقة ظهرت في الأسابيع الأخيرة للموسم الفائت.
على صعيد الفريق نفسه فلم يتغير الكثير، الحديث عن ثورة وتجديد دماء الفريق لم يحدث رغم المكاسب المالية الضخمة من الموسم الماضي التي تخطت 130 مليون يورو، الحرس القديم كله مستمر، الجديد هو ضخ دماء شابة عبر تعاقدات جديدة مثل لويس هنريكي، بيتار شوشيتش، أندي ديوف، أنج بوني، وبيو إسبوسيتو، لاعبون قدموا بمبالغ ليس بسيطة ولكن ليسوا بنجوم كبار جاهزون مباشرة لمنافسة لاوتارو وباريلا وديماركو ودومفريس وتشالهان أوغلو ومخيتاريان وأتشيربي على المقاعد الأساسية، على الأقل في البدايات، ولكن الإيجابي هو استيعاب الإدارة لحاجة الفريق لتقليل معدل الأعمار، وإن كان استمرار العديد من "منتهي الصلاحية" مثل دارميان وأتشيربي ومخيتاريان والتوقع بلعبهم دور أساسي هذا الموسم يبقى علامة استفهام.
علامة الاستفهام الأكبر ستكون على المدير الفني، كما ذكرنا كيفو حديث العهد بالتدريب على مستوى الكبار، صحيح هو صاحب إنجازات مع قطاع الشباب في إنتر وحقق معه الدوري في الماضي، وفي بارما أظهر مؤشرات إيجابية لمدرب واعد، ولكن هذا إنتر الذي نتحدث عن تدريبه هذه المرة، فريق ينتظر منه المنافسة على كل الألقاب ومنها دوري الأبطال عقب ما فعله في آخر ثلاثة مواسم، وإحباطات الموسم الماضي ستصعب من المهمة لأن التعافي من خسارة كل البطولات والتعافي من هزيمة تاريخية في نهائي الأبطال عبء وتركة ثقيلة للمدرب الروماني الشاب، وفي مونديال الأندية بظهوره الأول لم تكن المؤشرات إيجابية ولكن إحقاقًا للحق كان من الباكر الحكم على فريقه بعد أيام قليلة من توليه المهمة وموسم شاق.
إنتر 2025-2026 لغز كبير، مدرب شاب يخلف أحد أفضل مدربي العالم، فريق يملك نجوم من الدرجة الأولى وتم إضافة لاعبين شباب لهم ولكن يعانون من تراجع المستوى وكبر السن، وناد يعيش تحت وطأ أشباح الموسم الماضي والتعافي منه، ويريد أن يبعد مسؤوليه عنهم اتهامات التخبط وعدم وضوح الرؤية، خصوصًا بيبي ماروتا الذي منه توليه الرئاسة مع الإدارة الأمريكية "أوكتري" وليس بنفس الرجل الذي كان يوصف بأنه مدير رياضي محنك يجيد اصطياد الصفقات، وجمهور محبط وغاضب وفاقد للشغف يتوقع الأسوأ ويتخوف من بداية حقبة مظلمة جديدة لناديه عاش مثلها كثيرًا قبل سنوات المجد الأخيرة.
عقب نهائي ميونخ، زميل لي مشجع لبرشلونة حاول مواساتي بتذكيري بلقاء بايرن والبلوجرانا الشهير الذي انتهى 8-2، وكيف تعافى منه النادي الكتالوني وهاهو يصول ويجول في إسبانيا وإن كان في أوروبا إنتر نفسه هو من عطله، ولكن إنتر ليس النادي الكتالوني، حيث لابورتا ورافعاته، وفليك ويامال والبقية، صحيح وقتها كان هناك ميسي على رأس كتيبة أخرى من النجوم لم تساعد برشلونة ضد الطوفان الألماني، ولكن في إنتر هناك أرجنتيني آخر زامل البرغوث في إنجاز المونديال ولكن ليس بقائد مثله، وتركي بحث عن العودة لبلاده طوال الصيف عقب شجاره مع القائد ثم التصالح، وأرميني يظن فريقه "لا يُهزم"، ونجوم إيطاليون لم يشارك أي منهم في المونديال باستثناء دارميان صاحب لمسة الأتزوري الأخيرة في 2014، ولكن لا بأس، لنرسم البسمة ونرحب بكيفو ورجاله في الموسم الجديد، على الأقل ضد تورينو هذا المساء!




