طالب فاشل، بالنسبة له المواد الدراسية كالطلاسم ثم موهبة كروية مرفوضة في الفيصلي ومن يليه الهلال، ثم فجأة يبتسم القدر، وتلتقط العيون نجم الكرة السعودية الحالي والمرشح الأول كأفضل لاعب في قارة آسيا؛ سالم الدوسري..

هدفه واضح من البداية، لم يكن الدوسري كبقية الأطفال، يركز في دراسته، وبجانبها موهبته ورياضته المفضلة عن طريق الذهاب للنادي بعد نهاية اليوم الدراسي، إنما كانت الحصص الدراسية هي وقت النوم بالنسبة له، ووقت الراحة هو موعد ممارسة كرة القدم، حتى أنه في بعض الأحيان تخطى هذه المرحلة، وهرب من الحصص، لمداعبة معشوقته المستديرة.

علي التميمي؛ مدرس الكيمياء الخاص بالدوسري في مرحلة الثانوية، يقول: "كان يشعر أن الكيمياء كالطلاسم، فيهرب من الحصص ذهنيًا أحيانًا وجسديًا أحيانًا أخرى، وإذا حضر يفضل الجلوس في المقعد الأخير، كي يأخذ غفوته لنهاية الحصة، فقد كان طالبًا مهملًا".

هذا الحال الذي كان عليه الدوسري وهو صغيرًا، نشأ عليه رغم أنه والده كان مدرسًا وأخيه الأكبر كذلك، لكن عشق كرة القدم، لم تتمكن الأسرة من السيطرة عليه، كي يكمل الابن تعليمه.

أما الطامة الكبرى فهي أن الدوسري كاد حتى أن يخسر مستقبله الكروي، بعدما تم رفضه أكثر من مرة من أكثر من نادٍ، فماذا عن بدايته الكروية؟

قد لا يعلم الكثيرون أن أسرة الدوسري في الأساس هي اتحادية الانتماء، بحكم أن جدة هي مسقط رأسهم، لكنها اضطرت للانتقال للعيش في الرياض، نظرًا لنقل والده للتدريس بالعاصمة، وهنا بدأ سالم يتخذ خطوات جدية في مسيرته الكروية..

أول صدمة كانت من النادي الفيصلي، إذ شاهده محمد عسعوس؛ الإداري في الفئات السنية بالنادي، ليقرر اصطحابه لمدرب الفريق، لكن الأخير لم يقتنع بموهبة الدوسري، فلم ييأس سالم، فكم من أساطير تم رفضهم في بداية مسيرتهم!

الوجهة الثانية للدوسري كانت مركز "العسيري"، هو المصدر الأساسي الذي يستمد النصر منه مواهبه، وبالفعل نجح المدرب وقتها إبراهيم عسيري، في تجهيز اللاعب الناشئ للعالمي، لكن هنا تدخل القدر مرة ثانية، ليحرم النصر من النجم السعودي الأول حاليًا، كما حرم منه الاتحاد من قبل..

منيف الشهراني، الذي قطع الطريق على النصر، قبل أن يضم الدوسري لصفوفه، فقبل أن ينتقل من مركز "العسيري" إلى نادي النصر، عرض عليه منيف الانتقال للهلال، ليرحب سالم كثيرًا..

يقول الشهراني: "كان سالم يتدرب في النصر في منتصف ذي القعدة 1432 هجريًا (عام 2011 ميلاديًا)، فعرضت عليه الانتقال للهلال، فقال لي (يدي على يدك)، تحدثت بعدها مع مدير الفئات السنية في الهلال فيصل الفرشان، وهو من ساعدنا على عرض الدوسري على مدرب الفريق وقتها الألماني (رينارد) ستامب، وبالفعل خاض أول تدريب مع الهلال في 25 ذي الحجة 1432".


لكن ولأن طريق سالم لم يكن ممهدًا من البداية، سواء لمعارضة الأسرة ثم لرفض الفيصلي له، كذلك قابل صعوبات بالهلال، فبعدما ظن أن الحياة ستبتسم له وسيرتدي القميص الأزرق بشكل رسمي، صدمه المسؤولون..

43 يومًا يتدرب بها سالم مع فريق الشباب بالهلال، وهي مدة كبيرة للغاية على لاعب يتم وضعه تحت الاختبار، لكن المشكلة كانت في رفض مسؤولي القلعة الزرقاء التوقيع معه، لعدم قناعتهم بقدرته على إضافة شيء للفريق.

يقول ستامب عن هذه المرحلة، في تصريحاته سابقة لبرنامج "صدى الملاعب": "سالم حضر متأخرًا لفريق الشباب بالهلال، كنا في نهاية ديسمبر 2010، ومنذ أول تدريب له، لاحظت أنه مختلف، هو نجم بمواصفات مميزة، فمنذ أن شاهدت مهاراته، ذهبت له وقلت: (أحب أن توقع معنا وتنضم للفريق)، وقلت لمساعدي أن هذا اللاعب لديه الكثير ليقدمه، ويجب أن نحصل على توقيعه.

"لكنني واجهت بعض الصعوبات من الإدارة، طلبت منهم التوقيع معه، فسألوني: (هل نحن حقًا في حاجة لمثل هكذا لاعب؟)، أخبرتهم وقتها أن لدينا نقص في المهاجمين، لكنهم رفضوا".

وواصل: "عاودت الكرة مرة أخرى، وأصريت على التوقيع مع سالم، أخبرتني الإدارة أن لدينا لاعبين مشابهين له، فقلت لهم (في السعودية هناك سالم الدوسري واحد فقط)، وبالفعل تم التوقيع، وأنا فخور لاكتشاف هذا النجم، وإذا لم يكن بالهلال، فأكثر من نادٍ كان سيضمه".

"لا أريد الآن إلا اللعب للهلال فقط" جملة قالها الدوسري في الثامن من صفر 1432 هجريًا (يناير 2011)، عندما سأله المسؤولون عن طلباته أثناء تسجيله كلاعب هاوٍ بالنادي.

سبعة أهداف سجلها سالم في أول موسم له كهاوٍ بالزعيم، وكان هذا الموسم كافيًا ليخطف أنظار خالد القروني؛ المدير الفني لمنتخب السعودي للشباب وقتها، ليقرر اصطحابه ضمن بعثة الأخضر في كأس العالم للشباب كولومبيا 2011، ويبدع بالمونديال، ليكون بوابته للفريق الأول بالزعيم ويبدأ عهدًا جديدًا دون معوقات، فقد حجز مكانه في التشكيل الأساسي بسرعة البرق.

29 ذي الحجة 1432 هجريًا، شهد مشاركة سالم في أول مباراة رسمية مع الفريق الأول بالهلال، ولم تكن أي مباراة بل هي ديربي الرياض أمام الغريم التقليدي النصر، دخل بديلًا ليهز شباك العالمي، ويدخل تاريخ الديربيات من أوسع أبوابه، ويتم توقيع أول عقد احترافي له في 22 ربيع ثاني 1433 (مارس 2012) هجريًا مع الأمير عبد الرحمن بن مساعد.

وكما ستامب في الهلال، والقروني في المنتخب السعودي للشباب، الهولندي فرانك ريكارد كذلك خطفه للمنتخب السعودي الأول في 2012 وهو ابن الـ20 عامًا، ليشارك في أول مباراة رسمية له في 29 فبراير 2012، أمام أستراليا، في التصفيات السيوية المؤهلة لكأس العالم، وهي المباراة التي خسرها الأخضر بنتيجة 4-2، لكن سجل بها الدوسري هدفًا.

يومًا تلو الآخر، يثبت الدوسري جدارته، وسط متابعة ممن رفضوه في بدايته، ليكون الملعب أفضل رد، فهو من يمكن للمدرب توظيفه في الجناح الأيسر أو الأيمن أو المهاجم الثاني، وإن كان يتركز دوره في السنوات الأخيرة بالجناح الأيسر.

"الدوسري لاعب مميز للغاية، ولديه ثقة كبيرة في قدراته وإمكانياته، هو أكثر من لفت انتباهي في المباراة"، هكذا صرح أدينور ليوناردو باتشي "تيتي"؛ المدير الفني لمنتخب البرازيل، عقب مباراة ودية جمعته بالسعودية في عام 2018.

سبع بطولات حصدها الدوسري مع الهلال في ست سنوات: دوري سعودي مرتين، كأس الملك مرتين، كأس السوبر المحلي مرة، وكأس ولي العهد مرتين.. كانت بصمته واضحة بجميعها، وهنا بدأت التساؤلات كيف للاعب مثل هذا لا يحترف في أوروبا؟، لماذا لا يكون محمد صلاح السعودية ويخرج ليبدأ عهد جديد في الاحتراف الأوروبي؟

محمد نور؛ نجم الاتحاد الأسبق، قال عنه في حوار سابق منذ ثلاث سنوات: "إذا لم يكن الدوسري الأول، فهو ثاني أفضل لاعب في السعودية، ولا أعرف من يسبقه، هو بالفعل يستحق اللعب خارج المملكة، هو قادر على اللعب في الدوري الإنجليزي والإسباني".

وزاد تيسير الجاسم؛ نجم الأهلي الأسبق: "أكثر لاعب سعودي جاهز للاحتراف حاليًا هو سالم، وسينجح بلا شك".

والكثير والكثير من التصريحات التي تؤكد أن سالم بإمكانه أن يصبح النسخة السعودية من محمد صلاح؛ النجم المصري في ليفربول الإنجليزي، وهنا قرر تركي آل الشيخ؛ وزير الرياضة السابق، إرسال الدوسري إلى فياريال الإسباني، ضمن اتفاقية مشتركة مع رابطة "لا ليجا"، خرج على إثرها أكثر من لاعب سعودي للاحتراف بإسبانيا.

لكن رغم أنها كانت تجربة محبطة من ناحية المشاركة، فلم يشارك سوى في 33 دقيقة فقط خلال ستة أشهر إلا أنها ساهمت بشكل كبير في تطور مستواه فنيًا وبدنيًا بعدها، حتى نال إشادة مدرب فياريال وقتها خافيير كاييخا: "سالم الدوسري كان مثالًا يحتذى به أمام جميع اللاعبين منذ دخوله النادي، لاعب محترف يعلم دوره تمامًا وكان دائمًا يسعى للتعلم والاستفادة".

لكن عودة الدوسري بعد تجربة فياريال، لم تكن بالعودة العادية، فبعدها بعام واحد فقط قاد الهلال لحصد لقب دوري أبطال آسيا للمرة الثالثة في تاريخ النادي والأولى في تاريخه هو كلاعب، ومن قبلها لقب الدوري المحلي ولقب السوبر وكأس الملك، ومؤخرًا لقب دوري الأبطال للمرة الثانية.

"عدد بطولاتي؟، لا أعلم لا أحب أن أُعددها" تعليق أطلقه الدوسري عقب حصد دوري الأبطال في نوفمبر الماضي، نجم متعطش دائمًا للألقاب، لا يرغب في معرفة العدد، كي يبقى دائمًا متعطشًا، وكأنه لم يحقق أي شيء.

تتوقع أن لاعب مثله وصل لما وصل إليه من إشادات محلية وعالمية، قد يكون تخلى عن بعض من تواضعه، لكنه في كل مرة يفاجئك، تجده ضمن الأوائل في المران، ووقته مخصص بشكل كبير للمستديرة، كما كان حاله وهو طالب: "طبيعتي أحب العمل مثل والدي، هو مدرب، ويحب أن يعمل طوال الوقت".

يقول محمد النمر؛ وكيل أعمال التورنيدو: "أحيانًا أتواصل مع سالم كي أراه، لكنه يقول لي ليس عندي وقت، وقتي للتدريبات والمعسكرات".

هذا الجهد والتواضع هو ما جعله يحقق المعادلة الصعبة، فقلما تجد لاعبًا سعوديًا يفرض نفسه في مركزه وسط الكوكبة الكبيرة من اللاعبين الأجانب في السنوات الأخيرة، هو سالم والبقية تأتي من بعده، فكم من مرة حاول الهلال التعاقد مع بديل له وفشل! وكم من مرة حاول المنتخب السعودي تعويض غيابه، وفي كل مرة تشعر أن هناك قطعة ناقصة في الملعب.

قد تظن أن الدوسري يتألق ويفرض نفسه في الملعب فقط، لكن الحقيقة التي سلط الإعلامي الرياضي طارق كيال الضوء عليها، هي أنه حتى سالم هو صاحب فضل في إظهار أجانب الهلال من حوله بصورة جيدة..

"الدوسري لاعب بمواصفات أوروبية، ليست مواصفات سعودية أو عربية، تحركاته ونقله للكرة، نقله للهجمات من الوسط للهجوم، يمكنه إحداث خلل في أي دفاع، ولا يمكن لأي لاعب أن يوقفه إلا بخلل تكتيكي، هو حقًا مميز، بل هو من يظهر اللاعبين الأجانب من حوله بمجهوده".

ويقول ناصر الشمراني؛ نجم الكرة السعودية الأسبق: "سالم يتفوق مهاريًا على اللاعبين البرازيليين، أنا لا أبالغ، هذا صدق، هو مهاؤيًا ممتاز، وهو الأكثر مهارة حاليًا".

والآن يبقى التساؤل: متى يتخلص الاتحاد الآسيوي لكرة القدم من قرار حجب جائزة أفضل لاعب في القارة كي تنال الجائزة شرف منحها لسالم الدوسري؟

"أعظم لاعب سعودي في العقد الثاني من الألفية، هو واحد من أعظم عشر لاعبين في تاريخ الكرة السعودية" هكذا لخص الإعلامي وليد الفراج الحديث عن التورنيدو، فكفى ووفى!