من ميرتشا إلى رازفان لوتشيسكو: عندما تنتقل جينات التدريب بفعل القدر

يقولون في الأمثال الشعبية "ابن الوز عوام" .. الأب والابن يسلكان الطريق نفسه، يبدأ الابن في السير على خطى أبيه، ليقدم منه نسخة مصغرة أخرى، لكن ليس كل ابن قادرًا على أن يكون "عوامًا" مثل والده

إلا أن رازفان لوشيسكو كان استثنائيًا، فلم يسر فقط على نهج ميرشيا لوشيسكو، بل أنه تغلب عليه ليصبح التلميذ الذي غلب أستاذه

في عام 1977، وبعد زلزال مدمر بقياس 7.2 ريختر ضرب بوخارست، قررت عائلة لوشيسكو ترك المدينة. كان لوشيسكو الأب لاعب كرة قدم في الـ32 من عمره بمسيرة مميزة في دينامو بوخارست والمنتخب الروماني

لكن هذه الكارثة جعلت زوجة لوشيسكو قلقة على مستقبل ابنها البالغ من العمر 8 أعوام رازفان، فهي لم تعد تشعر بالأمان في المدينة. لقد قررا الانتقال إلى هونيدوارا، بلدة صغيرة للغاية في غرب رومانيا، ولعب ميرشيا دور اللاعب المدرب في ففريق كورنيول هونيدوارا، في دوري الدرجة الثانية

يتحدث رازفان لوشيسكو موقع جول في حوار حصري عن ذلك فيقول

"تعلمت على يده ثلاثة أشياء منذ كنت صغيرًا؛ تنظيم العمل، أهمية التفاصيل، وكيفية التحكم في المباريات وإداراتها. لقد بدأ مسيرته التدريبية وهو ابن الـ33 عامًا، وهذا كان نادرًا للغاية في رومانيا، فلم يكن هناك مدربين يبدأون مسيرتهم في هذا السن الصغير"
Goal.com

يتابع رازفان "كان لاعبًا ومدربًا في ذات الوقت لكورفينول هونيدوارا، فبعد زلزال 1977، غادرت أسرتنا بوخارست وتوجهنا إلى هونيدوارا، بلدة صغيرة في غرب رومانيا، ومن هنا بدأ مسيرته التدريبية مع كورفينول، الذي كان في منتصف جدول الدوري"

"كان وضع الفريق صعبًا للغاية، ولسوء الحظ لم ينجح والدي في إنقاذه من الهبوط من الدرجة الأولى، إذ حدث شيء لا يصدق في المباراة الأخيرة"

تلك كانت بداية القصة فقط .. في المباراة الأخيرة حدث أمر لا يصدق

هبوط غير اعتيادي


هبوط أي مدرب بفريقه إلى الدرجة الأدنى، إذا مر مرور الكرام من مجلس إدارة النادي، فلن يمر من الجماهير، لكن مع ميرشيا كان الوضع مختلفًا

يستطرد رازفان عن بداية أبيه

"اضطرت سيارات الشرطة للتدخل لحماية اللاعبين عند بوابة الخروج من الاستاد، فقد احتشد الآلاف للاحتجاج على تراجع الفريق، حتى وصل الأمر لحضور عربات الجيش رفقة الشرطة لإخراج والدي من الاستاد. وقتها كانت تعيش رومانيا مع رئيس ديكتاتوري!"
Goal.com

آنذاك، كانت رومانيا تحت سيطرة نظام الدكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو، وكانت الأوضاع لا تصدق: بعض الفرق كانت تصعد من درجات دنيا إلى الدرجة الأولى في طرفة عين، بينما تُرِك الآخرون تُرِكوا ليلاقوا مصائرهم. اللاعبون والمدربون كانوا تحت ضغط هائل وكان الجميع يحاول إيجاد طريقه

لكن والد لوشيسكو رفض ركوب سيارة الجيش، وهو ما يؤكده رازفان بقوله "لذلك رفض والدي الخروج في سيارة الجيش، وخرج وسط حماية من عدد قليل من الناس، وفور أن شاهده الجمهور بدأوا في ترديد اسمه وطالبوه بالبقاء ومواصلة مسيرته مع الفريق، وبالفعل استمر والدي وقاد الفريق للصعود في الموسم التالي إلى دوري الدرجة الأولى، وفي الموسم الذي يليه تأهلوا إلى كأس الاتحاد الأوروبي"

والباقي هو تاريخ

يقول رازفان "بالطبع بعد هذا النجاح الكبير، تولى والدي المسؤولية الفنية لمنتخب رومانيا وتأهل به إلى كأس أمم أوروبا 1984، وحظي بفوز تاريخي على إيطاليا، التي كانت بطلة العالم عام 1982 بفريق كبير يضم دينو زوف، باولو روسي، كلاوديو جنتيلي، برونو كونتي، جايتانو شيريا وجيانكارلو أنتونيوني"

مشاهدة كل هذا ملأ الصبي رازفان بمشاعر متضاربة. ذلك ما يتحدث عنه لوشيسكو الأب لموقع جول في حوار حصري بالعودة إلى تلك الأيام، قائلًا

"حين سأله بعض أصدقائه عن حلمه عندما يكبر، فكان رده أن يكون لاعبًا لكرة القدم ورئيسًا لرومانيا، فكانوا يسألونه عن السبب، ليرد لأنني أريد أن يُعزف النشيد الوطني بشكل خاص لي. ذلك انعكاسًا لشغفه بكرة القدم ورغبته أن يكون قائدًا"
Goal.com

مرت السنين، وحقق رازفان ما كان يحلم به خطوة بخطوة

يتابع ميرشيا "اعتدت على اصطحابه معي في المباريات أو في معسكرات الفرق التي أتولى تدريبها. لاحقًا، بعدما أصبح حارس مرمى في دوري الدرجة الأولى الروماني، أدركت وقتها أنه لديه الإمكانيات ليصير مدربًا جيدًا من خلال الطريقة التي كان يفكر بها بشأن تكتيك المباريات"

"عندما اعتزل اللعب، أصبح نائبًا لرئيس نادي رابيد بوخارست، وكانت علاقته رائعة باللاعبين، ووقتها سألني عن نصيحتي له وما إذا كنت أنصحه باقتحام مجال التدريب أم لا، منحته بعض النصائح وشجعته بعد ذلك لاتخاذ هذه الخطوة، لكن القرار كان قراره بالكامل"

يشير لوشيسكو الأب إلى أنه كان صاحب تاثير على ركوب الموج الأزرق وتحقيق الأمجاد مع الهلال، قائلًا "لقد سألني أيضًا عن رأيي بشأن ترك باوك وتدريب الهلال"

"شجعته على الذهاب إلى السعودية وكانت خطوة مفاجأة للكثيرين، فقد قاد باوك للفوز بالدوري 2019. لكن على الجانب الآخر، الفوز بلقب دوري أبطال آسيا والمشاركة في كأس العالم للأندية أثبتا أنه اتخذ القرار الصائب"
Goal.com

التحدي..إرث عائلي

كان ذلك تحديًا كبيرًا لرازفان، وعلى ما يبدو، فإن مفهوم "التحدي" هو إرث آخر نقله الأب إلى ابنه

يقول ميرشيا عن ذلك "لقد تركت البلاد بعد ثورة في رومانيا. جئت من دولة شيوعية وحتى ذلك الوقت لم يكن هناك أي تواصل أو علاقة بكرة القدم الأوروبية. لكن حين كنت في الـ36، أصبحت مدربًا في كورنيفول. ثم دربت المنتخب وهزمنا بطل العالم آنذاك إيطاليا، وبهذه الطريقة فقط أظهرت نفسي للطليان"

"بعد خمس سنوات، تركت رومانيا وذهبت إلى بيزا ثم إلى بريشيا. أعني أنني لم أبدأ بالعمل مع فرق كبيرة مثل مدربين آخرين. لذا لم يكن سهلًا إثبات أنني كنت مدرب جيد في كل مرة "

كانت الكرة الإيطالية آنذاك هي الأقوى ليس فقط تاريخيًا وتكتيكيًا، بل ماليًا أيضًا، وهو ما يوضحه ميرشيا بقوله

"السيري آ كان غالبًا مرتعًا للمرتزقة، هناك بيرلسكوني الذي كان أغنى الفائزين هناك (مازحًا).. يوفنتوس وروما كانوا أغنياء للغاية في ذلك الوقت، لذا لم يكن سهلًا الوصول إلى القمة"
Goal.com

فاز ميرشيا لوشيسكو بكأس السوبر على ريال مدريد حين انتقل إلى جلطة سراي في 2000، ثم تبنى مشروع شاختار دونيتسك ليجعله فريقًا شابًا لا يقهر في أوكرانيا، وحقق معه لقب الدوري الأوروبي عام 2009

"بعدها ذهبت إلى جلطة سراي وبيشكتاش وثم إلى شاختار دونيتسك.. قبل أن آتي إلى هنا رفضت العديد من العروض من غرب أوروبا لأنني وجدت أن هذا المكان هو الأنسب لمدرب من أجل العمل. من المهم للغاية أن يثق بي الرئيس، لذلك كنت ناجحًا للغاية. ليس سهلًا ترك فرق مثل دينامو كييف وميتاليست في الخلف"

عندما تغلب التلميذ على الأستاذ

ما كان للساحرة المستديرة أن تترك الأب وابنه أن يسلكا الطريق نفسه دون أي عكوسات، إذ جاءت لحظة فارقة في عام 2005 بقرعة الدوري الأوروبي، ميرشيا مدربًا لشاختار دونيتسك الأوكراني، ورازفان كان ما يزال آنذاك مدربًا لرابيد بوخارست اليوناني

وأبت القرعة إلا أن يقعا في مجموعة واحدة رفقة باوك وشتوتجارت ورين، ووقتها كان دور المجموعة من مباراة واحدة وليس بنظام الذهاب والإياب، وصف الأب نفسه آنذاك بأنه في الموقف الأسوأ في حياته واعتبر نفسه غير محظوظًا، وكان كذلك بالفعل

رازفان نجح في تلقين أبيه هزيمة قاسية، لم تكن كبيرة، لكنها كانت قاسية في موعدها، إذ خطف الفوز قبل نهاية الوقت الأصلي بثلاث دقائق فقط، لكن كان هذا اللقاء الأول والأخير بينهما في ملاعب المستديرة

مثل والده، هناك تحديات كبيرة أمام رازفان. الفوز بالدوري السعودي مع فريقه، تحقيق اللقب الآسيوي للمرة الثانية على التوالي في تاريخ الهلال وربما الفوز بكأس العالم للأندية؟ لِمَ لا

رازفان لوشيسكو الآن في عامه الـ51، وشغفه بكرة القدم يزداد أكثر فأكثر، تمامًا مثل علاقته بوالده الذي يقول "كنت في سالونيك عندما حصد لقب الدوري المحلي رفقة باوك وكذلك كأس اليونان، والآن أنا أتابع مباريات الهلال عبر الإنترنت، وأعتقد أن تفاعلي معه أكبر مما كنت عليه وأنا مدرب"

وكانت هذه هي كلمة الأب الأخيرة بحق ابنه

"أرى أن تطوره كمدرب هي امتداد لمسيرتي الكروية"
Goal.com

وبوسعنا القول أنه محق


ترقبوا حوارنا الحصري مع رازفان لوتشيسكو قريبًا