دارت العادة أن اللاعبين الشباب في أوائل العشرينات من عمرهم، يكتفون بالصعود من فرق الناشئين بالأندية الكبيرة إلى الفريق الأول، إذا تحقق هذا فإنه الإنجاز الذي يركنون إليه لمدة ثلاث سنوات مقبلة، مرددين: "كيف نطلب الرحيل؟ يكفينا أننا نجلس بدلاء لكل هؤلاء النجوم، يكفينا الاستفادة من خبراتهم".

لكن سار أسامة فيصل ابن العشرين عكس التيار، وطلب أن يخرج إلى الإعارة بعد عام واحد فقط من تصعيده للفريق الأول بالزمالك، حتى وجد نفسه في مدة قصيرة، يتم استدعائه لقائمة منتخب مصر الأول، للمشاركة في كأس العرب 2021.

في الأول من يناير 2001، في كفر المياسرة مركز الزرقا بمحافظة دمياط، ضمن أسرة يعمل الأب والأم بها في مجال التدريس، رُزق مدرب الرياضيات بتوأم "أسامة وأبرار"، ورغم اهتمام الأسرة الكبير بالتعليم إلا أن كرة القدم نجحت في أن تشق طريقها في هذا المنزل.

"محمد الترعاوي" ابن عم أسامة، وأول من آمن بموهبته، فكان يجمعهما مركز الشباب بالقرية، حتى نمت موهبته على يده.

قد تبدو الأحاديث الأخيرة وعبارات المدح والثناء على لاعب في العشرين من عمره، أن طريقه كان ممهدًا من البداية، وأن الأنظار التقطته سريعًا، لكن حقيقة الأمر أن نادي الزمالك رفضه مرتين، وكاد أن يتسبب في ابتعاده عن كرة القدم في البداية..

"في عمر الـ14، ذهبت إلى القاهرة مرتين، للخضوع لاختبارات قطاع الناشئين في القلعة البيضاء، لكن في كل مرة لم يحالفني الحظ، وأعود إلى قريتي، حتى أنني رفضت الذهاب للاختبارات للمرة الثالثة في البداية".

الترعاوي لم يفقد الأمل كما فقده أسامة، وضغط عليه للذهاب للاختبارات للمرة الثالثة، وبمساعدة والده وشقيقه الأكبر "خالد"، تمت مهمة إقناع أسامة فيصل بالسفر للقاهرة والخضوع لاختبارات الزمالك بنجاح.

"اذهب كأنك مسافر لنزهة، إذا فشلت في الاختبارات، تنزه بالقاهرة ثم عد"، هكذا أقنع "فيصل" نجله، الذي كان يفكر وقتها في المسافة التي سيقطعها من دمياط إلى القاهرة أكثر من تفكيره في معشوقته الساحرة المستديرة.

"في المرة الثالثة ذهبت رفقة صديقي محمد مسعد، الذي كان قد تم قبوله قبلي في الاختبارات، وعندما شاهدني كابتن محمد عبد المقصود، أُعجب بأدائي، وأخبرني أن الزمالك في حاجة لمهاجم، كي يشارك معه في بطولة الناشئين بالإمارات".

لم تكن فقط المعاناة في رفض القلعة البيضاء له في البداية، إنما حتى بعد أن تم قبوله، بقى مهمشًا لمدة عام كامل، حتى مد له المدرب أمير عبد العزيز يد العون نفسيًا وفنيًا.

يقول أمير عبد العزيز عن أسامة: "هو هداف بالفطرة، حتى أنه يسجل أهدافًا لا يمكن لأحد أن يتوقعها".

من دوري الجمهورية الذي ساهم في تطوير أداء ابن الـ20 عامًا كثيرًا إلى منتخب مصر للناشئين بقيادة ربيع ياسين، ليشارك في بطولة مقامة بالسعودية، وهنا كان التعارف الأول بين اللاعب الشاب والفرنسي باتريس كارتيرون؛ المدير الفني بالدوري السعودي وقتها، الذي قدمه بعد ذلك للجماهير المصرية.

بطولة السعودية كانت "فاتحة الخير" على صاحب الـ20 عامًا، فبعدها تلقى عرضًا من نادي زد إف سي – إف سي مصر سابقًا – وهو ما رحب به اللاعب، لكنه فوجئ أن الزمالك يخطره بتصعيده للفريق الأول، ليتراجع عن قراره ويستمر بالقلعة البيضاء، ليعزز موهبته وينيرها بأهداف قاتلة..

"طارق حامد تحدث معي في بداية تصعيدي، وأخبرني أن كارتيرون مُعجب بأدائي، ومنحني الثقة في مرحلة مهمة".

"البداية كانت في مباراة ودية أمام وادي دجلة، سجل بها هاتريك من أصل أربعة أهداف أحرزناها، ولحسن الحظ أن هذه المباراة كانت مذاعة على قناة النادي، فبدأ الجمهور يعرفني".

"زاد التعارف بيننا عندما سجل هدف في مرمى الأهلي بالموسم الماضي، رغم أنني لم أكن أتوقع وقتها أن أشارك في المباراة، لكنني شاركت في آخر خمس دقائق، ورغم أن المدرب كارتيرون منحني تعليمات بأدوار دفاعية، للحفاظ على النتيجة، إلا أنني نجحت في تسجيل الهدف الثالث، لتنتهي المباراة 3-1، ومن هنا عرفني الجمهور أكثر".

ومن لا يعرف أسامة فيصل؟ اللاعب الشباب الذي أنقذ الفارس الأبيض من وداع كأس مصر 2019-20 من دور ربع النهائي، بهدف قاتل في اللحظات الأخيرة من الشوط الأول..

"كنت رفقة منتخب الشباب في السويس لخوض مباراة ودية، وبين شوطي المباراة فوجئت بالمدرب ربيع ياسين، يخطرني بأنني لن أشارك في الشوط الثاني، بطلب من باتشيكو؛ المدير الفني للزمالك وقتها، رغبة منه في الاستعانة بي بمباراة إف سي مصر في ربع نهائي كأس مصر.

"لكن عندما حان وقت المباراة، استبعدني باتشيكو من القائمة، حزن وقتها، كان عليه أن يتركني أشارك مع المنتخب طالما أنه سيستبعدني، لكن وفي الوقت الذي أجهز به حقيبتي كي أغادر المعسكر، تعرض محمد أوناجم؛ مهاجم الزمالك، لإصابة خلال عمليات الإحماء، وهنا دخلت في قائمة الـ18، وفي الدقيقة الأخيرة، حيث كان الفارس الأبيض متأخرًا بهدف نظيف، تم الدفع بي، وبالفعل أدركت التعادل في الدقيقة 6+90، لنلجأ للأشواط الإضافية ومن ثم نحقق الفوز 2-1".

مصائب قوم عند قوم فوائد"، رحيل باتشيكو عن الزمالك في مارس 2021، تم تعويضه بكارتيرون، لتبتسم الحياة لأسامة، فهو المدرب المقتنع به منذ بطولة السعودية..

يبدو أن ثقة كارتيرون في فيصل لا حدود لها، فأي مدرب يدفع بلاعب شاب في الدقيقة 85 من مباراة، نتيجتها التعادل 1-1، فعلها المدرب الفرنسي، ودفع بأسامة أمام طلائع الجيش في الموسم الماضي، ليؤدي المهمة بنجاح في الدقيقة الأخيرة من اللقاء.

رأسيات، تسديدات على المرمى، استخلاص للكرة، تحركات بمهارة فردية رائعة وبذكاء، جميعها صفات اجتمعت في أسامة فيصل، لتجعل القاصي والداني يؤكد بين الحين والآخر أن هذا اللاعب هو مستقبل مصر.

يقول طارق يحيى؛ نجم الزمالك الأسبق: "أسامة قادر على أن يكون مهاجم مصر الأول، هذا اللاعب يشبه جمال عبد الحميد، عماد متعب، عمرو زكي، حسام حسن وجمال حمزة، يتميز بتحركاته الفطرية المميزة، وهذه التحركات لن يجيد أي مدرب تعليمه إياها.

"لاعب بحجم أشرف بنشرقي قال لي عن أسامة (الولد الصغير هذا تحركاته أفضل بكثير من مهاجمين كبار)".

"كارثة" هكذا وصف وليد صلاح؛ مدرب بقطاع الناشئين في الزمالك، رحيل أسامة عن الفريق، وقتما كان عقده سينتهي مع فريق الشباب بالنادي، وطالب بالإسراع من ملف تجديد العقد، وهو ما تم.

لكن من مثله الأعلى عبد الحليم علي ولويس سواريز، لن يقبل الجلوس على مقاعد البدلاء حتى وإن كان في بداية مشواره، فهو من قالها من قبل: "أهم شيء عندي هو أن أشارك في الميركاتو الصيفي الماضي".

وبقرار شخصي من أسامة فيصل، أعلن الزمالك إعارة المهاجم إلى البنك الأهلي لمدة موسم كامل.

هذه المهمة قادها أمير عبد العزيز؛ مدرب ناشئي الزمالك الأسبق ومدرب البنك الأهلي الحالي، فهو من يعرف أسامة جيدًا ويعرف إمكانياته الكبيرة، لذلك تمت الصفقة بسلاسة بين الطرفين، وانتهى كل شيء في غضون ثلاثة أيام.

لكن هذه الخطوة قوبل بمعارضة من قبل إسماعيل يوسف؛ عضو مجلس إدارة الزمالك السابق، لكنه لم ينجح في مهمة الإبقاء بالفريق.

يقول تيجانا: "كنت ضد رحيل أسامة، هو لاعب جيد وصغير في السن، ورحل في الوقت الذي بدأ به يتجانس مع اللاعبين، ومن الأساس الزمالك في حاجة له ليكون المهاجم الثالث رفقة عمر السعيد وسيف الدين الجزيري".

الآن وبعد قرابة الثلاثة أشهر بقميص البنك الأهلي، حقق أسامة أحد أحلامه بتمثيل منتخب مصر الأول في كأس العرب، فما يقدمه في الملاعب، يجعلك تجزم أنك أمام مهاجم من طراز فريد، مهاجم طموح لا يركن لعبارات: "يكفيني شرف ارتداء قميص نادٍ كبير كالزمالك"، فخرج باحثًا عن ذاته.