الموسيقار، العازف، المايسترو وغيرهم، ألقاب ترددت على آذاننا خلال الفترة الماضية، جميعها تشير إلى فراس البريكان ابن الـ21 عامًا، الذي أصبح في غضون أيام حديث الصحافة السعودية والقارية على حدٍ سواء.

لكن حقيقة الأمر أن الماضي لم يكن ممهدًا بهذه الصورة، ليس حتى الماضي البعيد، إنما من أربعة أشهر فقط تقريبًا..

في الثامن من يوليو 2021، أقام جمهور النصر الأفراح بعد إعلان ناديهم الاستغناء عن البريكان إلى نادي الفتح في صفقة بيع نهائي.

"الحمد لله، فكنا منه"، "كيف عثر على نادٍ يدفعه به أموالًا؟"، "كرموا من استطاع إقناع إدارة الفتح بالتوقيع معه"، هكذا قابل جمهور العالمي خبر رحيل "العازف".

لكن جاء الرد قويًا من ابن الـ21 عامًا، لم يخرج للحديث عن الظلم الذي تعرض له بالنصر وعدم حصوله على فرصة كاملة، لم يخرج للرد على "طقطقة" الجماهير عليه، حمل حقيبته واتجه إلى النموذجي، فانقلب الحال وتحولت الدفة في غضون أشهر قليلة..

في السابعة من عمره، خرج ابن العاصمة متجهًا إلى اختبارات الناشئين في العالمي، فخطف أنظار المدربين الكرواتيين الذين كانوا يقودون فرق النصر وقتها.

كبر ابن السابعة وتخطى العقد الأول من عمره، وأصبح على مشارف العشرينات، تتحدث عنه حسابات الاتحاد الدولي "فيفا" والاتحاد الآسيوي، وفي النصر؟ سباب عميق!

"كدينيس بيركامب وزلاتان إبراهيموفيتش"، هكذا وصف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، البريكان ذات يوم، وتحديدًا في الأول من يونيو 2019، وقتما كان يقود اللاعب الأخضر في كأس العالم للشباب 20 عامًا.

سجل فراس هدفًا رائعًا وقتها في مرمى بنما، إذ استلم كرة عرضية هوائية من الجهة اليمنى وظهره للمرمى، ثم لستدار بشكل رائع وسدد مباشرةً في الشباك، ليكتب بعدها حساب الفيفا: "هذا الهدف سجعل بيركامب وزلاتان فخورين الآن، صحيح غادرت السعودية البطولة، لكن البريكان ترك لنا هذا الهدف الجميل".

مر الوقت، وعاد البريكان للعالمي بعدما ودع الأخضر مونديال الشباب، ليجد اللاعب مكانه محجوزًا على مقاعد البدلاء، مع العطف عليه ببعض الدقائق في الأوقات الحرجة، لكن للفرنسي هيرفي رينارد؛ المدير الفني للمنتخب السعودي الأول، نظرته الخاصة، ففاجأ الجميع واستدعاه لقائمة الأخضر في خليجي 24، ليحرج اللاعب مسؤولي العالمي..

هدفان سجلهما البريكان في خليجي 24، مؤديًا دورًا دفاعيًا وهجوميًا على حدٍ سواء بتعليمات من رينارد، فنال إشادة الجميع، ومنهم الناقد الرياضي موسى المحياني، الذي قال: "البريكان ممتاز جدًا، في عمره هذا وضع عليه المدرب دور تكتيكي كبير، وهو طبقه بشكل كبير، حتى أنه ألغى خطورة القطري عبد الكريم حسن أفضل لاعب في القارة في 2018، قام بدوره الدفاعي بشكل ممتاز ويملك روح الجماعة ويلعب للجميع، هو قدم بطولة ممتازة".

مواهب أقل بكثير ويتم تشبيهها في بداية مسيرتها بأساطير كبيرة دون تقديم المنتظر، فرفضت الغالبية التفخيم من موهبة البريكان، والاكتفاء بالإشادة بأدائه، لكن عارض الإعلامي الرياضي عدنان جستنيه هذا، وصمم على تشبيهه بأحد أساطير الكرة السعودية عقب خليجي 24..

"فراس يذكرني ببداية محيسن الجمعان، هو موهبة بها بذرة خير، هو في حاجة إلى أن يسمع الإشادة به كي يستمر، خاصةً وهو له حضور قوي، له هدف في مرمى عمان صورة طبق الأصل من هدف الجمعان في الكويت".

لم يتوقف التألق عند خليجي 24، فبعد انتهاء مهمته مع المنتخب الأول، ذهب في يناير 2020، ليبدع مع منتخب الشباب بكأس آسيا تحت 23 عامًا، التي وصل بها الأخضر للنهائي.

هدف وحيد سجله اللاعب في مشوار البطولة، لكنه كان كافيًا لنيل إشادة الحساب الرسمي لدوري أبطال آسيا: "ننتظر مثل هذه الأهداف الرائعة في دوري الأبطال فراس"، لكن مدربو النصر لهم وجهة نظر مختلفة، فلم يظهر اللاعب الشاب سوى في ست مباريات بواقع 124 دقيقة فقط، وفي الموسم بشكل عام، لم يشارك سوى في 16 مباراة بواقع 427 دقيقة!

وجاء موسم 2020-21 ليكون كالقشة التي قسمت ظهر البعير، 15 مباراة بقميص العالمي بواقع 463 دقيقة، هز البريكان وقتها المرمى مرتين فقط، فكان الرحيل مصيره.

بيع نهائي، ليس إعارة، إنما خلاص نهائي من النصر للفتح، ربما وقتها احتفالات جمهور العالمي والرحيل بهذه الطريقة في هذا السن من النادي الذي يعلم مدربوه تمامًا حجم موهبة اللاعب، كان كافيًا ليمرضه لفترة من الوقت، لكن ثقة البريكان بنفسه لم تهتز.

هدفان تسجيل ومثليهما صناعة بقميص النموذجي خلال 2021، وهدفان حاسمان مع المنتخب السعودي في التصفيات الآسيوية النهائية المؤهلة لكأس العالم قطر 2021..

"من فرصة واحدة، من تسديدة واحدة، يسدد وينهي الأمر" يقول المحلل المصري أحمد عفيفي واصفًا البريكان، ويضيف الناقد الرياضي السعودي سلطان اللحياني: "استلام البريكان للكرة في مساحة رائع"، بخلاف الإشادات الكثيرة عما يقدمه، وما كتبته عن الصحافة اليابانية بعد قيادته للأخضر للفوز بهدف نظيف من تسجيله، بتصفيات المونديال.

وهنا بدأ جمهور النصر يندب حظه!، بل تطور الأمر لتوجيه سهام الاتهامات إلى مجلس الإدارة على تفريطها في مثل هذه الموهبة، وعدم القدرة على التخطيط السليم والاستفادة من اللاعبين الشباب.

لكن الأدهى من ذلك أن عبارة "فراس البريكان لاعب الفتح"، أصبحت كافية لاستفزاز جمهور النصر، إذ يستخدمها جماهير الأندية المنافسة، لمعايرة جمهور العالمي بالاستغناء عن لاعب وبعدها بأقل من أربعة أشهر، يصبح هو حديث الساعة وقبلة الإشادات.

"لو كنت رئيس نادي الفتح لتواصلت مع مسلي آل معمر؛ رئيس النصر، وقلت له شكرًا على صفقة فراس البريكان" قالها فيصل زيد، وأضاف عليه محمد الشيخ: "شكرًا لنادي النصر الذي أنبت موهبة فراس البريكان.. شكرًا لمسلي آل معمر الذي فتح الباب له ليجد طريقه الأفضل.. شكرًا لنادي الفتح الذي أنعش هذه الموهبة قبل أن تموت.. شكرًا لمنتخبنا الذي آمن بالبريكان أينما كان".

ومن قبل الإشادات المحلية، وضعه الاتحاد الآسيوي في مطلع نوفمبر الجاري رفقة نجوم بحجم بغداد بونجاح وأوديون إيجالو، للمنافسة على لقب نجم الشهر في غرب آسيا بأكتوبر 2021، وحذرت منه الصحافة الفيتنامية قبل مواجهة السعودية، ووضعته كأخطر اللاعبين بجانب نجوم بحجم سالم الدوسري وفهد المولد.

العازف الشاب ترك النار التأكل في مسؤولي النصر على التفريط به، والآن هو يسير كالملك بخطى ثابتة، من يرى تحركاته في الملعب بكرة وبدونها وطريقة استلامه لها وتعامله أمام المرمى، يدرك تمامًا أن الكرة السعودية على موعد مع نجم جديد، وقد يصير أسطورة في المستقبل.